في مثل هذه الأيام قبل عامين، أطلقت قوات إيرانية الذخيرة الحية نحو رؤوس المتظاهرين والمارة في عمق دولة الولي الفقيه.
حيث قُتل ما لا يقل عن 304 أشخاص.. فهل تم التحقيق في ذلك؟
قبل ذلك بعام واحد فقط، كان حبل المشنقة قد لُفَّ على عنق الصحفي الإيراني المعارض روح الله زم، رغم أن الرجل يعيش في المنفى بفرنسا، لكن إيران ومليشياتها في العراق كانت قد نصبت له كميناً حين قدم إلى العراق في مهمة عمل، واصطادته لتقتله في طهران، متهمة إياه بتشجيع مظاهرات شهدتها البلاد بين عامي 2017 و2018.. فهل تم التحقيق في ذلك؟
قبل ذلك بخمسة أعوام، وعلى الأراضي السورية التي تمتلئ بالمليشيات الإيرانية اغتيلت الصحفية الأمريكية ماري كولفين إلى جانب المصور الصحفي الفرنسي ريمي أوتشليك، بينما كانا يحزمان معداتهما لمغادرة مكان عملهما هناك مع اشتداد وطيس الحرب؛ عندما تم استهدافهما بشكل مباشر.. فهل تم التحقيق في ذلك؟
خلال الشهر الحالي، أقدمت طهران على إعدام أربعة نشطاء سياسيين وحقوقيين من عرب الأحواز وهم: "جاسم حيدري، وحسين السيلاوي، وعلي مجدم، وعلي الخزرجي"، بتهمة محاربة الله والإفساد في الأرض، وهي تهم جاهزة تصدر عادة بحق المعارضين للنظام الإيراني.. وقبل ذلك بشهر مليشيا حزب الله اللبنانية اغتالت الناشط لقمان سليم المعارض لها.. فهل تم التحقيق في ذلك؟
وقبلها هل تم التحقيق في عملية قتل المحتجز الفلسطيني زكي مبارك في سجون المخابرات التركية في ظروف غامضة، وسط ادعاءات السلطات بانتحاره، بينما اتهمت أسرته نظام رجب طيب أردوغان بتصفيته بعد فشلها في انتزاع اعترافات بجريمة لم يرتكبها؟
وقبلها هل تم التحقيق في اغتيال الباحث العراقي الخبير بشؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي في بغداد بينما كان يستقل سيارته أمام منزله، في هجوم أثار موجة غضب وتنديد في العراق وخارجه؟
عالم يضج بأحداث ساخنة ومفاجئة ومرعبة ومذهلة في آن؛ لم تكن كافية للاستئثار باهتمام جو بايدن والإدارة الامريكية الجديدة ودفعها بمعايير أخلاقية وسياسية وقانونية للالتفات لبعض ما يحدث ومعالجته، بل وتجاهلت ذلك كله لتختار حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي التي انتهت منذ ثلاثة أعوام، وتسلط الضوء عليها متخذة منها وسيلة للضغط على المملكة العربية السعودية إلى حد إعادة صياغة العلاقة مع الرياض وفق معايير جديدة تبدو غير واضحة ولا مفهومة؛ ورغم أن الرياض ليس لديها ما تخفيه في ملف خاشقجي، خاصة بعد معالجة الملف ضمن الأطر القانونية والقضاء السعودي النزيه؛ فإن أصواتاً وجهاتٍ صحفية كارهة حاسدة للمملكة يبدو أنها تصطاد بالماء العكر، وتحض الإدارة الأمريكية على إثارة الملف مجدداً لخلق ما يظنونه حالة من التوتر في العلاقات.
وفي ظل تكاثف الهجمات ضد المملكة؛ فيما لم تقدم السعودية في الأصل على عاصفة الحسم ضد إرهاب الحوثيين منذ أقدمت عليه، بمعزل عن الإرادة الدولية والتشاور مع الحليف والصديق والشقيق، بل إنه يمكن القول إن السعودية خاضت هذه الحرب لصالحها ولصالح آخرين، بينها اليمن نفسه؛ حماية له من احتلال إيراني مقنع وماكر، وهو ما يبدو مفهوماً لدى واشنطن التي صرح متحدث باسم وزارة خارجيتها قبل أيام اشترط عدم الكشف عن هويته، قائلا: "إن المراجعة التي تقوم بها إدارة بايدن حيال السعودية، تسعى إلى تحقيق توازن بين هدف إنهاء الحرب في اليمن والتأكد من أن السعودية تمتلك الأسلحة التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها، خصوصا من إيران وحلفائها".
ولعل مجمل ما يتم تداوله أو زعمه على صدر صحف ومواقع مختلفة بالشبكة العنكبوتية عربياً وأمريكياً، هو مجرد صراع بين أيديولوجيات تكتب وتنظر هنا وهناك دون وقود واقعي أو وضوح موقفي لدى إدارة بايدن، وهو ما يبدو طبيعياً لدى الأخيرة قياساً بصعودها المستجد إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وحاجتها للتفريق بين منطق الدعاية الانتخابية كمعايير ومنطلقات للسياسة، وبين منطق السياسة الرزينة المتراكمة والخاضعة لحسابات قديمة جديدة مبنية بإحكام بين واشنطن والعالم، وهو ما يتجاهله كثيرون يؤملون أنفسهم بالنيل من المملكة العربية السعودية وعلاقاتها مع القوى الفاعلة في العالم، ويكتبون أو ينظِّرُون كما يتمنون لا كما يفرز الواقع وتقول الشواهد والمواقف والمصادر الرسمية في البلدين.
أخيراً، فإنه قد يكون من المبكر حتى اللحظة التنبؤ بمآلات أي طوارئ على العلاقات الأمريكية السعودية في الوقت الراهن، نظراً لحاجة الإدارة الأمريكية الماسة للوقت وإعادة الهيكلة، وفقاً للحاكم الجديد ومنطلقاته السياسية الجديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة