بعد احتجاجات أثينا.. "مقدونيا" ورحلة 30 عاما من صراع الهوية
جمهورية مقدونيا تقع في شبه جزيزة البلقان، جنوب شرق آسيا، ونالت استقلالها في عام 1991 وأصبحت عضواً بالأمم المتحدة سنة 1993
شهدت العاصمة اليونانية، أثينا، الأحد، تصاعد الاحتجاجات الشعبية، ضد الاتفاق على تغيير اسم مقدونيا، ما دفع الشرطة اليونانية لإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين.
وكانت مئات الحافلات جلبت آلاف المحتجين من مختلف أنحاء اليونان وخصوصاً من الشمال، تلبيةً لدعوة "لجنة المكافحة لتأكيد السمة اليونانية لمقدونيا"، إلى وسط العاصمة، وفق المنظمين.
وأسفرت الاحتجاجات عن إصابة 10 عناصر من الشرطة بجروح، فيما نقل متظاهران إلى المستشفى لتعرضهما لمشاكل في التنفس نتيجة الغازات المسيلة للدموع.
يعود النزاع المقدوني اليوناني، لنحو 30 عاماً، ظلت خلالها جمهورية مقدونيا تتنازع مع جارتها حول الاسم الذي تحمله إحدى مدن أثينا منذ عهد سابق لها.
ولم تهنأ مقدونيا التي نالت استقلالها مطلع تسعينيات القرن الماضي، رغم الاتفاق الذي أبرمته مع أثينا في العام الماضي، والذي قضى بتغيير اسمها إلى جمهورية مقدونيا الشمالية.
وكانت أثينا قد توصلت لاتفاق "سكوبيي" في يونيو/حزيران 2018 لإنهاء النزاع بين البلدين، وينص على تسمية هذا البلد البلقاني الصغير "جمهورية مقدونيا الشمالية".
ومن المقرر أن يناقش البرلمان اليوناني خلال الأسبوع الجاري الاتفاق الذي أبرمه البرلمان المقدوني منذ 10 أيام، قبل عرضه لتصويت حاسم في نهاية الأسبوع.
مقدونيا.. الجغرافيا والتاريخ
تقع جمهورية مقدونيا في شبه جزيزة البلقان جنوب شرق أسيا، ونالت استقلالها في عام 1991، وأصبحت عضواً بالأمم المتحدة سنة 1993.
تعتبر مقدونيا بلدا غير ساحلي يحدها كوسوفو إلى الشمال الغربي، وصربيا من الشمال، وبلغاريا من الشرق، واليونان إلى الجنوب وألبانيا من الغرب، ويسكن عاصمتها سكوبيي 506926 نسمة وفق آخر تعداد سكاني أجرى في عام 2002، وتشتمل عدة مدن بينها بيتولا، كومانوفو، بريليب، تيتوفو، أوهريد، فيليس، ستيب، كوكاني، غوستيفار.
وقديما كانت تسمى مقدونيا المتحدة من قبل المنظمة الثورية المقدونية الداخلية (امرو) في 1920-1934، ومن زعماء هذه المنظمة ألكسندروف تودور، بروتوجيرف ألكسندر، إيفان ميخائيلوف.
وتهدف هذه المنظمة إلى تحرير الأراضي التي تحتلها صربيا واليونان وخلق ومقدونيا المتحدة المستقلة لجميع المقدونيين، بغض النظر عن الدين والعرق، ولكن القوى العظمى لا تؤيد هذه الفكرة، لأن صربيا واليونان تعارضان فكرة استقلال مقدونيا.
وتشكل قضايا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وحسم الاسم مع اليونان أبزر التحديات التي تعمل جمهورية مقدونيا على معالجتها.
نزاع تاريخي
بدأ نزاع مقدونيا مع اليونان منذ نيل الاستقلال في عام 1991 كبديل لجمهورية يوغوسلافيا، لكونها تحمل نفس اسم منطقة مجاورة لها تقع شمال اليونان، مما قد ينطوي عليه من مطالب إقليمية تطال مقاطعة مقدونيا اليونانية، والاستيلاء على الثقافة والحضارة اليونانية القديمة، كما تقول أثينا إن هذه المنطقة تحمل هذا الاسم منذ عصر الإسكندر الأكبر.
وكان النزاع في بدايته أشد حدة من جانب اليونان التي فرضت حصاراً على جمهورية مقدونيا استمر لمدة عام، وانتهى بتغيير العلم المقدوني الذي تعتقد أثينا أنه يحمل كثيرا من معالم حضاراتها التاريخية، على الرغم من معارضة شرسة قادتها النخب في "مقدونيا".
فشلت مقدونيا في الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي رغم حصولها على اعتراف رسمي عام 2005 كدولة مرشحة لنيل عضوية منطقة اليورو.
ويبدو أن هذين السببين، جعلا زوران زاييف المنتخب حديثاً كرئيس للوزراء في مقدونيا، يعمل على تسريع وتيرة النقاش والدخول في محادثات مع اليونان خلال نهاية العام الماضي، للوصول إلى اتفاق لحل نزاع "الاسم" ليتسنى لبلاده الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وبفضل جهود قادها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس تم توقيع اتفاقية بين أثينا وسكوبيا حول اسم مقدونيا الجديدة، في 18 مارس 2018، ليصبح الاسم الرسمي هو جمهورية مقدونيا الشمالية، ووافق برلمان مقدونيا على تعديل دستوري لتغيير اسم البلاد، بينما لم يجز البرلمان اليوناني الاتفاق الذي تواجهه احتجاجات شعبية.
اتفاق التهدئة
الاتفاق الذي أبرم بين البلدين، والذي قضى بتغيير اسم الدولة إلى "جمهورية مقدونيا الشمالية" ووافق عليه البرلمان المقدوني بالأغلبية الساحقة، يواجهه اليونانيون باحتجاجات تدعو لإبطاله.
وتأتي الاحتجاجات اليونانية المتصاعدة، كمحاولة لمنع البرلمان الذي يناقش خلال الأسبوع الجاري من المصادقة على الاتفاق الذي أبرمه مع نظيره المقدوني قبل 10 سنوات ماضية.
هذا الاتفاق بات مهددا بهذه الاحتجاجات الشعبية في اليونان، حيث يحظى بذات الرفض من قبل النخب والمحافظين في جمهورية مقدونيا، حيث صوت ضده نحو 39 نائبا بالبرلمان المقدوني مقابل 81 موافقا، كما يرى المتشددون في البلدين أن هذا الاسم جزء من حضارتهم وإرثهم التاريخي ولا ينبغي التنازل عنه.
يأتي هذا في الوقت الذي ترغب فيه قيادة البلدين في وضع حد لهذا النزاع الممتد لثلاثة عقود، وبالنسبة لمقدونيا فإن التوصل لحل حول الاسم يشكل هدفا ساميا، لأنه يفتح المجال أمام انضمامها للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الذي طالما ظلت تعرقله اليونان تحت ذريعة صراع "الاسم".
aXA6IDE4LjIxNy4xNjEuMjcg
جزيرة ام اند امز