"مدافع أوكرانيا" تعبر النمسا.. هل تخلت عن الحياد؟
لم يكن مرورا عابرا أو هينا، إذ فاقم جدل لم يخفت منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي، وهو "حياد النمسا".
المقصود بالمرور هنا هو عبور قطار يحمل 20 مدفعا ذاتي الدفع الأراضي النمساوية قبل أيام، قادما من إيطاليا، ومتجها إلى بولندا قبل تسليمه إلى كييف، في إطار حزمة دعم وعدت بها روما قبل أشهر.
ووفق مجلة إكسبرس النمساوية، حدث خداع في عملية عبور الـ20 مدفع هاوتزر ذاتية الدفع، إذ أٌعلن أن بلد الوجهة النهائية للقطار هي بولندا، لذلك لم تحصل روما على إذن عبور مسبق من السلطات النمساوية وفق القوانين الأوروبية.
وكانت المجلة أول من نشرت خبراً عن عبور القطار المحمل بالمدافع، وأفادت بأن الركاب في محطات القطارات التي مر عليها، صوروا عبوره في الأراضي النمساوية.
ووفق "إكسبرس"، تتمسك الحكومة النمساوية بأن القطار متوجه من دولة في الاتحاد الأوروبي (إيطاليا) إلى دولة أخرى في التكتل "بولندا"، لذلك لم يكن بحاجة لتصريح عبور ولا ينتهك الحياد.
لكن الحكومة النمساوية تتجاهل الوجهة النهائية للسلاح وليس القطار، إذ أن بولندا تتولى تسليم الأسلحة الغربية إلى كييف عبر أساليب سرية غير معروفة، لذلك تصب في أراضيها هذه الأسلحة وهي من يتولى نقلها، ما يعني أن الأسلحة التي عبرت النمسا ستذهب في النهاية لطرف في الحرب الحالية.
فيما حصلت صحيفة "كلاينه تسايتونغ" على نسخة من بريد إلكتروني أرسلته السفارة الإيطالية بالنمسا إلى السلطات النمساوية، يفيد بأن "القطار يحمل موادا حربية"، وأنه وفقًا لقانون المواد الحربية النمساوي، لا يحتاج العبور إلى تصريح".
وردت السلطات النمساوية على السفارة بأنه "إذا كانت الأسلحة موجهة إلى بلد ثالث، فإنها تحتاج إلى تصريح"، ما يعني أن فيينا كانت تعلم أن المدافع ذاهبة إلى كييف كوجهة نهائية، وأن موقفها المعلن بعد عبور القطار لا يعكس رؤيتها، وفق الصحيفة.
مجلة إكسبرس عادت وقالت إن قضية عبور المدافع النمسا بدون تصريح وأنها ذاهبة لطرف في الحرب، تحول لفضيحة سياسية في بلد محايد يرفض الانحياز العسكري لأي طرف في الصراع ويرفض تسليم الأسلحة لأي طرف.
وتابعت المجلة أن حزب الحرية الشعبوي سيطرح مسألة التهديد المحتمل للحياد بعبور المدافع للأراضي النمساوية، على النقاش العام وفي البرلمان الاتحادي في الأيام المقبلة.
بدوره، قال المتحدث باسم حزب الحرية، فولكر رايفنبرغر، في بيان، إن عبور هذه المدافع "فضيحة وغير قانوني".
وتابع "لا تستطيع الحكومة الحالية ببساطة ضمان حيادنا.. الحياد الدائم مكرس في دستورنا الفيدرالي".
وتابع "إذا أخذ المستشار كارل نيهامر حيادنا على محمل الجد، فإن مثل هذا النقل (نقل الأسلحة عبر النمسا) ببساطة لا يمكن أن يحدث".
أوضح المتحدث أن تسليم الأسلحة إلى دولة محاربة لا ينبغي أن يتم عبر أراضينا الوطنية، ولا ينبغي أن يكون لأطراف متحاربة أي نشاط على أراضينا، لافتا إلى أنه سيقدم طلب إحاطة في البرلمان عن عبور المدافع الإيطالية.
كما أفادت وثيقة مسربة من وزارة الدفاع النمساوية أن حياد النمسا المنصوص عليه في الدستور الذي يستبعد العضوية في الأحلاف العسكرية مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو) يعرض البلاد لضعف إستراتيجي.
وأدرجت ما يطلق عليها "توقعات المخاطر 2032" قدرات النمسا الاستراتيجية المحدودة، وهي نتيجة لحيادها، كتهديد محتمل، وفقا لنسخة من التقييم الذي حصلت عليها صحيفة "دي بريسه" النمساوية.
وأكد ناطق باسم وزارة الدفاع صحة الوثيقة وقال إن المسؤولين ليسوا متأكدين من الطريقة التي تم بها تسريب الوثيقة.
وألقى التقرير الضوء على معضلة تجاهلها السياسيون النمساويون في الوقت الذي تعهدوا فيه بدعم عقود من عدم التحالف حتى وسط موجات من الصدمات الجيوسياسية أفرزتها حرب أوكرانيا في 2022.
ويستند التقرير إلى تحليل سابق نشرته الوزارة حذر من اعتماد البلاد على التعزيزات الدفاعية المقدمة من الدول الجوار الأعضاء بالناتو بعد عقود من نقص الاستثمار.
كما يلقي التقرير الضوء على التناقضات بين الموقف الحيادي، والالتزامات القانونية للنمسا لمساعدة الدول الأعضاء الآخرين بالاتحاد الأوروبي في حالة حدوث صراع.
والنمسا دولة محايدة منذ 1955، ينص دستورها على عدم الانضمام إلى أي أحلاف عسكرية أو استضافة قواعد أجنبية على أراضيها أو الانحياز عسكريا لطرف على حساب طرف، بما يعني أنها لا يمكن أن تسلم سلاح لطرف في حرب.