شيخ الأزهر ألقى كلمة خلال الملتقى العالمي الثالث "الشرق والغرب نحو حوار حضاري"، بالعاصمة الإيطالية روما، وجه خلالها عدة رسائل..
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين إن المسلمين ضحايا الإرهاب ويدفعون ثمنه من دمائهم أضعاف غيرهم مئات المرات.
وأبدى الطيب خلال كلمته في الملتقى العالمي الثالث "الشرق والغرب نحو حوار حضاري"، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، بالعاصمة الإيطالية روما، استعداد مؤسسة الأزهر ومجلس حكماء المسلمين لتقديم كل ما يملك من خبرة لنشر فكرة السلام العالمي، وترسيخ قيم التعايش المشترك وثقافة حوار الحضارات والمذاهب والأديان.
واستعرض الإمام الأكبر، تفاصيل ما دار في لقائه الأخير ببابا الفاتيكان البابا فرنسيس، قائلاً: "استعرضنا كثيراً مما يقلق ضمير الإنسانية، ويحمل لها الألم والشقاء، واستشرفنا معاً آفاق المستقبل من أجل العمل المشترك لرفع المعاناة عن الفقراء والبؤساء والمستضعفين في العالم".
ومتحدثاً عن البابا فرنسيس، قال شيخ الأزهر: "الحقيقةُ إنني مستبشر كل الاستبشار بهذا الرجل الرمز والنادر في أيامنا هذه، والرجل الذي يحمل بين جنبيه قلباً مفعماً بالمحبة والخير والرغبة الصادقة في أن ينعم الناس كل الناس بالسلام التعايش المشترك وتكامل الحضارات وتبادل الحضارات".
- شيخ الأزهر في الفاتيكان.. ثالث لقاء مع البابا خلال عامين
- علماء الأزهر: لقاء الطيب- بابا الفاتيكان رد عملي على فكر الدواعش
- إنفوجراف.. 3 لقاءات بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان خلال عامين
وركز الإمام الأكبر خلال كلمته على محور "العنف المتبادل بين الشرق والغرب"، موضحاً أنه أصبح اليوم "السِّمةَ البائسة التي تعزل الحضارة المعاصرة عن باقي الحضارات الإنسانية".
وقارن شيخ الأزهر بين حضارة القرن الواحد والعشرين وبين سابقتها بقوله: "أرجو ألا أذهب بعيداً لو تصورتُ أن حضارة إنسان القرن الواحد والعشرين لا تمثل إلا تراجعاً حضارياً مُخيباً للآمـال إذا ما قُورِنت بحضارة القرن العشرين"، مفسراً قوله بإنه "بالرغم من أن بلدان العالم انقسمت في القرن الماضي إلى معسكرين متنافرين إلا أن الحرب الباردة كانت بلا دماء ولا أشلاء..".
ولفت الإمام الأكبر إلى أن "السياسة العالمية المندفعة بمنطق المال والقوة والسلاح، شاءت أن تستبدل بالحرب الباردة حرباً جديدة، ومعسكراً جديداً أيضاً، هو معسكر بلاد المسلمين وبلاد غير المسلمين".
وانتقل الإمام الأكبر بالحديث عن جيل جديد من الحروب، يقتل فيه الضحية نفسه بنفسه، وبماله وعلى أرضه، وكالةً عن أنظمة قابعة وراء البحار من سماسرة الحروب وتجار الأسلحة، والتي شهدت تسويق صورة مشوهة عن الإسلام كدِين يحتضن الإرهاب، وينشر دعوته بالقتل وسفك الدماء وقطع الرؤوس باسم الله.
وبلغة حاسمة كعادته، طلب الإمام الأكبر خلال كلمته بتوضيح بعض الحقائق التي تأتي في مقدمتها أن "المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وهم الذين يدفعون ثمنه من دمائهم أضعاف ما يدفَعُه غـيرهم مئـات المرات، وهم المسـتهدفون من أســلحته ونيرانه، وضَرب اقتصادهم وتدمير طاقاتهم وإبقاؤهم في حالة اللاحياة واللاموت".
وتناول شيخ الأزهر جدلية تثار في الغرب وهي أن العودة إلى الدِّين وتعاليمه تزيد الأمر سوءاً، لأن اختلاف الأديان في العقائد والشَّرائع من أقوى بواعث الحروب بين المؤمنين بها، بحسب هذا المعتقد، بل وتناول الأسئلة التي يثيرها الغرب نفسه بقوله: "وهل يمكن أن نتجاهل كمَّ الدِّماء التي سُفِكَت في الحروب بسبب صراع الأديان، واقتِتال المؤمنين بها؟ وهل يمكن أن نتجاهل أن أوروبا لم تقضِ على حروبها الداخلية إلا بعد أن عزلت الدِّين جانباً عن حياة النَّاس فيما سُمِّيَ بالعلمانية؟".
لكنه سرعان ما فند خطأ هذا الاعتقاد قائلاً: "الأديان الإلهية الموحى بها من الله تعالى على أنبيائه ورسله لا يمكن أن تكون سبباً في شقاء الإنسان، وكيف يُقال ذلك وهي ما نزلت إلا لهداية البشر إلى الخير والحق والصواب، أما الحروب التي اشتعلَت باسم الأديان فليس لها سببٌ في القديم والحديث إلا سبباً واحداً هو: تسييس الدِّين وتوظيفه واستغلال رجاله لتحقيقِ المطامع والأغراض".
وتابع الطيب: "الأديانَ كلَّها قد اتَّفَقَت على تحريمِ دم الإنسان، وصِيانة حياته، ويمكن أن تختلف الأديان في بعض التعاليم حسب ظروف الزمان والمكان، لكنها أبداً لم تختلف في تحريم قتل الإنسان تحريماً باتاً".
وشدد الإمام الأكبر على أنه "ليس في متون الأديان ولا نصوصها المقدسَة ما يدعو إلى سَفكِ دِماء النَّاس، وليس في سلوك الرُّسُل والأنبياء ما يُفهم منه –من قريبٍ أو بعيد- أنَّ سفكَ دم الآدمي حلال".
وتابع: "بل أزعم أنَّ دِماءَ الحيوانات في الشَّرائع الإلهيَّة مُحرَّمَة، وأنها محوطة بقوانينَ وأحكامٍ شرعيَّة كلها رحمة ورِفق بالحيوان".
وخلص شيخ الأزهر إلى أنه "لا يتم إيمان بدين إلَّا بالاعتقاد الجازم بأنه الحقيقة التي لا حقيقة غيرها، وأن واجب المؤمن تجاه الأديان الأخرى -التي يعتقد أنها لا تحظى بما حظي به دينُه من تفرد بالحقيقة- احترام الأديان الأخرى، واحترام المؤمنين بها احتراماً لا يقل عن احترامه هو نفسه لدينه..
واختتم حديثه بأن هناك "فرقاً هائلاً بين الاحترام الكامل لدين الآخر، وبين الاعتراف والإيمان بدين الآخر"، ففي هذه النقطة تحـديداً زلت أقدام المتشددين والمتطرفين ونبعت دعوات تكفير الآخر وإرهابه وقتله.