شهد العراق يوم أمس الأول نجاح قمة بغداد للتعاون والشراكة، والتي جاءت بمشاركة تسع دول معظمها من جوار العراق.
وقد شاركت أيضا منظمات عربية في القمة لمناقشة الشراكات الاقتصادية ومحاربة الإرهاب ودعم مشاريع إعادة الإعمار بالعراق، وتوسيع التعاون بينه وبين دول الجوار، وسط زخم إقليمي واحتفاء باللقاءات التي جرت على هامش القمة.
وقد حملت القمة دلالة قوية على عودة العراق إلى دوره المحوري عربيا وإقليميا، لا سيما في هذا التوقيت الهام، الذي يُعاد فيه تشكيل المنطقة، حيث كُسر الجمود، الذي اكتنف علاقات بغداد ببعض العواصم العربية خلال الأعوام الماضية بقمة جمعت دولا من الإقليم وخارجه لدعم إرساء السلام وتعزيز التعاون مع واحدة من أكبر البلدان العربية مساحة وموارد وفرصا استثمارية.
كلمات قادة الدول بيّنت حجم الاتفاق على رغبة الجميع تقريبا في عودة الدور المحوري للعراق واستقراره ونهوضه، حيث أكدت المملكة العربية السعودية، على لسان وزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، على دعم المملكة استقرار العراق ووحدة أراضيه، والتنسيق معه لمكافحة التطرف والإرهاب، فيما طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إمكانية نقل التجربة المصرية والخبرات في مجالات مختلفة إلى العراق الشقيق، رافضا جميع التدخلات في شؤون العراق، لتحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضيه واستعادة دوره في المنطقة.
نعم.. لقد أبطأ العراق سنوات طويلة بفعل حروب خاضها، ثم بسبب انهيار الدولة والحروب الطائفية والحرب على الإرهاب ودخول المليشيات، والتدخلات الإقليمية، التي أساءت إلى علاقاته بجواره العربي، وتسببت أيضا في أزمات داخلية جمة، لكن آن الأوان لعودة العراق قويا إلى مكانه الطبيعي، بلا اصطفاف أو انحياز، ليقوم بدوره في توازن المنطقة، حيث إن العراق قريب من قلوب الشعوب العربية وصاحب تاريخ ضارب في القدم منذ حضارات ما بين النهرين سومر وآشور وبابل حتى العصور الإسلامية حين كانت بغداد عاصمة العالم.
انفكاك بغداد الحتمي عن التدخلات الإقليمية والمليشيات المسلحة سيتيح لها ثقة إقليمية ودولية لتكون وسيطا للأزمات وليس جزءا منها، ويحقق لها التقدم على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية كافة، وتعود كما كانت منذ مئات السنين مقصد العرب، حتى وإن اجتمعت ضدها الظروف، فالعراق كبير بأهله وتاريخه وموارده.
الحكومة العراقية سعت، خلال كلمتها في القمة على لسان رئيسها مصطفى الكاظمي، أن تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع البلدان، وأنها لن تنعزل عن محيطها العربي، وأن ما يجمع دول المنطقة أكبر بكثير مما يفرقها.
والآن بعد أن انتهت القمة، فإن الوقت مناسب لاستثمار مخرجاتها لتكون نقطة انطلاق لتصفير مشكلات المنطقة وتلطيف الأجواء لتُحل جميع الإشكالات على طاولة الحوار والمفاوضات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة