يوميات متشابهة ومطالب متباينة.. قصة اعتصامين في بغداد
يتشابهان في يومياتهما التي تفوح منها رائحة التنور العراقي، لكنهما يتباينان في مطالبهما.. هكذا هو المشهد في اعتصامي بغداد.
فرغم اختلاف المطالب بين اعتصامي التيار الصدري والإطار التنسيقي، تتشابه يوميات المعتصمين، سواء تحت قبة البرلمان أو المنطقة الخضراء في بغداد.
- لم يسبق لها مثيل.. الصدر يدعو للتظاهر السبت المقبل في بغداد
- انطلاق مظاهرات "الإطار التنسيقي" وسط بغداد
بداية الاعتصامين
في أواخر يوليو/تموز الماضي، توزعت في محيط البرلمان العراقي أعداد كبيرة من الخيم الملونة التي نصبها مناصرو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تعبيرا عن قدرته على تعبئة الشارع وسط نزاع سياسي مع خصومه.
وينادي المعتصمون بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
فيما ردّ الإطار التنسيقي بأن أقام بدوره اعتصاماً في محيط المنطقة الخضراء المحصنة، حيث توجد المؤسسات الحكومية والمقار الدبلوماسية.
من ينفق عليهما؟
يقول منظمون من الطرفين إن التنظيم والدعم اللوجستي للاعتصام تؤمنها المواكب العاشورائية، وهي عبارة عن مواكب متحركة تمولها تبرعات، وتؤمن المأكل والمشرب لزوار عاشوراء ومراسم الأربعين في كربلاء.
ومن بين هذه المواكب، موكب "أحباب الصدرين"، تيمناً بمقتدى الصدر ووالده محمد الصدر.
فاضل رحمن، أحد المشرفين على الموكب الذي يضمّ 25 شخصاً، تحدث لوكالة الأنباء الفرنسية: "ننام هنا في الخيم، أحضرنا الوسادات من بيوتنا وجئنا".
ويضيف الشاب البالغ من العمر 33 عاما، والذي ارتدى قميصاً أسود وسروال جينز: "نقدّم وجبات رئيسية للمعتصمين، من الفطور إلى الغداء، والعشاء. الشاي موجود. والماء البارد. أهم ما في الأمر هو الماء البارد في هذا الحرّ".
ويؤكد رحمن، الذي يعمل سائق عربة "توكتوك"، وتبرع من جيبه بـ250 ألف دينار (170 دولارا)، لتمويل الموكب بالطعام، أن وجوده متواصل في هذا الاعتصام إلى أن نبعد الفاسدين".
وفي الخيام يحتمي المعتصمون من الشمس، ويستلقون على فرش صغيرة. بعضهم حظي بمكيّف متحرّك داخل خيمته، يغذّيه من الكهرباء التي تزوّد البرلمان.
ماء بارد
وفي باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه، فيما يقوم البعض بذبح المواشي للطبخ.
ومن على أكشاك صغيرة أو طاولات، يوزّع متطوعون الخبز أو الجبنة، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة.
بالمجمل، يضمّ اعتصام التيار الصدري نحو "70 موكبا" تابعة لمناصري التيار أو لعشائر، وفق ما ذكره أحد المشرفين لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويضيف الرجل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته إنهم يقدمون "للمعتصمين المواد الغذائية" التي يحتاجون إليها.
وتقدّر قيمة الأموال التي ينفقها كل موكب يومياً لإطعام المعتصمين بنحو "6 ملايين دينار (حوالي 4 آلاف دولار)، ونحو 100 كيلوجرام من الأرزّ، ومواد أخرى مثل لحم العجل والخراف والفاكهة والمياه"، ويشير مثلاً إلى أن متبرعا من إقليم كردستان قدّم 12 خروفا.
وأمام الباب الرئيسي للبرلمان، يقف محمد حسين على شاحنة بيضاء صغيرة، بثياب تلطّخت بمواد الدهان الذي يعمل به، وبالعرق الذي يسيل منه تحت أشعة الشمس الحارقة.
لفّ الشاب البالغ من العمر 33 عاماً رأسه بقميص أسود يحميه من أشعة الشمس، فيما نادى بأعلى صوته على العابرين لتناول الأرزّ واللحم والفاصولياء التي يوزّعها.
ويقول محمد: "كل ليلة أجتمع مع أصدقائي، ونقرر نوع الطعام الذي سنقوم بإحضاره في اليوم التالي".
ورغم أن دخل محمد لا يتجاوز في الأسبوع 40 ألف دينار (حوالي 27 دولاراً)، لكن أمله في أن يكون هذا الاعتصام انطلاقاً للتغيير دفعه لأن يتبرع وأصدقاؤه بقليل من الأموال لدعم المعتصمين.
ويضيف "كلٌ منا يدفع 15-20 ألف دينار ونشتري ما نقدر عليه. نقطع الأموال عن أولادنا لنقدم الطعام للمعتصمين".
ويضيف الرجل الذي لديه 6 أطفال أنه يفعل كل هذا أملاً بأن "يمحي مقتدى الفاسدين من الوجود، ونستريح".
"على حسابنا الخاص"
وعلى طريق مؤدٍ إلى المنطقة الخضراء يعتصم أنصار الإطار التنسيقي منذ نحو أسبوع مطالبين بتشكيل حكومة تؤمن الخدمات الأساسية وتحسّن الحياة اليومية للعراقيين.
يضمّ الإطار التنسيقي خصوصاً كتلة الفتح البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم التاريخي للصدر.
على إحدى الخيم، وضعت لافتة كتب عليها "يجب احترام مؤسسات الدولة خصوصاً التشريعية والقضائية"، ردًا على ما يبدو على مطالبة الصدر بحلّ البرلمان.
ويؤكد مصدر في الإطار التنسيقي فضّل عدم الكشف عن هويته أن "الخيم الموجودة هي نفسها الخاصة بالمواكب" العاشورائية.
ويضيف أن "آلاف المتضررين من تعطيل تشكيل الحكومة مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم.. ما يحتاج إليه المعتصم لا يتعدّى الطعام والشراب".
ويقول أبو علي الكاظمي، أحد المعتصمين، إن كل تلك الاحتياجات يتمّ تأمينها "على حسابنا الخاص، وعبر مواكب عشائر.. نطبخ بأنفسنا ونقدم الخدمات للناس. العشائر تدعمنا، المنازل المجاورة للاعتصام تدعمنا".
aXA6IDEwMC4yOC4yMzEuODUg جزيرة ام اند امز