نفايات بغداد.. كيف تضيء "مكبات الأمل" عتمة العراق؟
تسعى العاصمة العراقية بغداد إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، عبر آلاف الأطنان من النفايات وتحويلها لطاقة بعروض استثمارية لشركات أجنبية.
وتواجه بغداد، تحديات كبيرة على مستوى تقديم الخدمات والظروف الصالحة للعيش بعد أن وصل عدد ساكنيها إلى قرابة الـ9 ملايين نسمة، في وقت لا تزال أغلب البنى التحتية تعاني القدم وقد مضى عليها أكثر من أربعة عقود.
وواجهت بغداد جملة من التغيرات الكبيرة ما بعد عام 2003، التي انسحبت على مخططاتها الأساسية ووجها الحضاري جراء التجاوزات الكبيرة على الأراضي العامة وتحويلها إلى مناطق سكنية من قبل "مافيا منظمة".
- حرب المياه تدق طبولها في العراق.. دجلة يموت والفرات يجف
- مليارات العراق المهربة إلى الخارج.. بغداد تطارد السراب
تلك التوسعات غير المدروسة فرضت متغيرات وتحديات كبيرة على مستويات وجوانب عدة من بينها تفاقم مشكلة الطاقة الكهربائية وانخفاض معدلات تجهيز المواطنين رغم الأموال الطائلة التي صرفت على هذا القطاع الحيوي التي تصل إلى نحو 80 مليار دولار.
ورغم أن الذهاب باتجاه استثمار النفايات في مجال الطاقة ليس بالأمر الجديد ولكن الظروف الراهنة واجترار الأزمات بات يضغط بشكل أكبر على صناع القرار بالبحث عن مخرجات.
كانت أمانة بغداد قد أنشأت عدداً من محطات كبس النفايات القادرة على استقبال 4 آلاف طن في جانبي الكرخ والرصافة ما بين عامي 2011 و2014، بغية التهيئة لإنشاء معامل التدوير، إلا أن ظروف احتلال داعش للعراق وانخفاض أسعار النفط دفع ذلك الملف إلى أدراج التهميش.
النفايات ثروة
يؤكد رئيس الطاقة المتجددة في وزارة العلوم والتكنولوجيا، كمال لطيف، أن معدل طرح النفايات قد ازداد بمعدل ضعفين ووصل إلى قرابة 10 ألاف طن يومياً خلال عام 2020.
ويبين لطيف خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "تلك الكميات تعد ثروة كبيرة في مجال الاستفادة منها في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية إذا ما أحسن التخطيط والتعامل معها فنياً وبيئياً".
هذه الأسباب والمشاكل دفعت أمانة بغداد إلى اتخاذ خطوة مهمة وهي البدء في إحالة الملف إلى الاستثمار عبر شركات قد تكون عراقية أو أجنبية بهدف التخلص من النفايات وتحويلها إلى مورد اقتصادي مهم للدولة العراقية، كما يقول أحمد عبد الإله ، رئيس الكيميائيين الأقدم في دائرة المخلفات الصلبة والبيئة المسؤول في أمانة بغداد.
ويؤكد عبد الاله، لـ"العين الإخبارية"، إن "أمانة بغداد قامت بتهيئة الأرض لتنفيذ المشروع في جانبي الكرخ والرصافة من بغداد، وستقع معامل التدوير التي ستُنشأ خارج التصميم الأساسي للعاصمة بغداد.
وفي صدد ذي صلة، يطلعنا مصدر مسؤول في أمانة بغداد، رفض الكشف عن اسمه، أن " ما يتم رفعه من نفايات يصل إلى نحو 10 آلاف طن وهو ما تصل كلفته إلى نحو 500 ألف دولار يومياً من أجور عمال وسواق واليات ووقود وصيانة".
ويقول المصدر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن " نحو 46% من نفايات العاصمة بغداد، هي مواد عضوية ويأتي بعدها الكارتون بنحو 14.5% ويليها البلاستيك والزجاج والمعادن.
ويلفت إلى أن "هذه النفايات ذات قيمة عالية يبلغ معدل سعر الطن الواحد حوالي 200 دولار وهذه يعني إمكانية تحقيق عائدات يومية تقارب 1 مليون دولار من خلال الفرز وبيع المواد المفروزة خام بدون أعادة تدويرها أمام مع التدوير فان الرقم يتضاعف".
وكانت دائرة المخلفات الصلبة والبيئة التابعة لأمانة بغداد، كشفت في الـ5 من الشهر الحالي عن فرص استثمارية لتدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية منها، فيما أكدت أن شركات أجنبية تقدمت للاستثمار في المشروع.
وقالت مديرة الدائرة، ثورة الدليمي، في بيان حصلت "العين الإخبارية"، على نسخة منه، إن "الدائرة قدمت مشاريع استثمارية إلى أمانة بغداد لغرض تدوير وإنتاج الطاقة الكهربائية من النفايات، وهي قيد الدراسة حالياً في وزارة الكهرباء لتحديد سعر التعرفة"، مبينة أنه "في حال الانتهاء من تحديد سعر التعرفة ستعاد إلى أمانة بغداد لغرض إيجاد الأراضي المناسبة لها لغرض إعلانها كفرص استثمارية".
شركات تُنافس وخلاف على فرز النفايات
يقول عضو لجنة الطاقة النيابية، امجد العقابي، إن "هنالك عروض استثمارية من قبل عدد من الشركات التي جاءت تحمل تصاميم أساسية لشكل وطبيعة تلك المعامل التي تمتاز بكونها صديقة للبيئة ولكن هنالك بعض المتعلقات التي لم تحسم بعض حتى نشرع بذلك الأمر".
ويشير العقابي، إلى أن " هذه الشركات ارتأت أن يكون فرز النفايات من قبــــل الأهالي كما هو الحال في الــــدول المتقدمة، وحقيقة فإن هذا الامر لن ينجــــح، كون أغلب الأهالــــي لا يتمتعون بثقافة لفرز النفايات".
وفي هذا الصدد يؤكد عبد الاله أن "المشروع فيه اتجاهان، أولهما، أن يستلم المستثمر ملف النفايات بالكامل من بدايته من المنازل، والثاني، أن تبيع أمانة بغداد النفايات إلى المستثمر بعد جمعها"، لافتاً إلى أن "النفايات التي ستُجمع سيعمل المستثمر على إعادة تدويرها من خلال معامل خاصة لإنتاج الطاقة الكهربائية عبر مجموعة من الطرق".
وتعتمد أمانة بغداد، موقعان للطمر يقعان عند منطقة النباعي شمال العاصمة، وتتم المعالجة في فرش النفايات على الأرض في المقالع المنتهية من الاستعمال، ومن ثم تغطيتها بطبقة التراب النظيف.
تحويل وليس تدوير
يلفت لطيف، المسؤول في وزارة العلوم والتكنولوجيا، إلى أن العراق لا يملك مواقع طمر صحي خاضعة لمعايير السلامة والصحة وإنما يجري التعامل معها وفق طرق تقليدية لها تأثيرات سلبية على البيئة والإنسان.
ويشدد على أن "استثمار النفايات في موارد توليد الطاقة سيسهم في إنقاذ العراق من ملوث كبير وفي الوقت ذاته سيسهم في حلحلة جزء من أزمة الطاقة الكهربائية".
وبشأن أمكانية تحقيق ذلك الأمر على أرض الواقع، يوضح لطيف، أن ذلك ليس صعباً وكلما نحتاجه تضافر الإرادات وسلامة التخطيط الواعي والعلمي.
ويتابع إنه "رغم التكاليف الباهظة التي يتطلبها إنشاء تلك المعامل إلا أنها ما تزال في حدود إمكانيات البلد المتاحة"، مبيناً أن "كلفة إنتاج الكيلو واط من الكهرباء باستعمال وقود النفط تستهلك نحو 7 سنت دولار ومن الغاز 3.5، أما إذا ما اعتمدت النفايات سيتطلب نحو 4 سنت وهو رقم جيد لما توفره من بيئة آمنة وصديقة".
ويشدد مسؤول الطاقة المتجددة، على أن "المعايير الدولية في موضوع استثمار النفايات بمجال الطاقة تفرض أن تتجاوز حرارة التسخين في معامل تدوير النفايات الـ1200 درجة، حتى لا يكون هنالك انبعاثات ضارة صوب البيئة والإنسان".
ويستدرك بالقول: " كمية النفايات التي تطرح من قبل المنازل في العاصمة بغداد تكفي لتوليد نحو 200 ميكا واط من الطاقة الكهربائية".
وينوه إلى ان هنالك التباس في التوصيف من قبل المعنيين بذلك الأمر، حيث أنها في الحقيقة معامل تحويل للنفايات وليس تدوير، كون الأخيرة تعني بالاستفادة من كل ذلك في فرزها واستثمارها في جوانب صناعية عديدة.