خطورة البغدادي ربما كانت أكبر من حيث استغلاله الدين في تبرير جرائمه البشعة
إذا كان الإعلان عن موت البغدادي على يد القوات الأمريكية الخاصة في باريشا التركمانية قد وضع حداً لنهاية قصة موت معلن للمطلوب رقم واحد في العالم، فإنه لم يضع حداً للخطر الإرهابي الذي لا يزال يتهدد المنطقة والساحة الدولية، ويمكن أن يطل برأسه في أي وقت وأي مكان.
وإذا كان البغدادي كالقطط يعيش بسبع أرواح، كما يقول المثل العربي، فإن عدد المرات التي جرى فيها الإعلان عن قتله تجاوز السبع مرات إلى الثماني أو التسع منذ عام 2014، ومع ذلك الوقت فقد كان يدرك أكثر من غيره أن قصة موته المعلن ستكون لها نهاية حقيقية في أي لحظة، مهما كانت قدرته على المراوغة وسط بحر من أجهزة الاستخبارات وعمليات الملاحقة والتتبع والأقمار الصناعية، وإن تخللتها "خيانات" من مقربيه، وربما "مساومات" من أطراف عديدة، ولذلك كان يستعد بنفسه للإعلان عن هذه النهاية، وهذا ما يفسر عدم تخليه عن "الحزام الناسف" على مدار الساعة.
تبقى هناك أسئلة وتساؤلات كثيرة حول مصرع البغدادي، منها ما يتعلق بالدور الغامض لأنقرة، خصوصاً أن العملية تمت قرب حدودها وفي منطقة يسيطر عليها حلفاؤها في "جبهة النصرة"
وحتى في هذه النهاية فقد أفسدت الرغبة الأمريكية الجامحة لاعتقاله، رغم الحديث عن صراخه وبكائه، لتحقيق "الإنجاز الكبير" للإدارة وتأهيل ترامب لفترة رئاسية ثانية، تماماً كما فعل أوباما في عام 2011 حين تمكنت استخباراته من قتل أسامة بن لادن وإلقائه في البحر ليتم انتخابه لفترة ثانية في 2012. كلاهما البغدادي وابن لادن كانا يدركان أنه لم يعد لهما متسع في هذا العالم الذي ضاق بجرائمهما، لكن خطورة البغدادي ربما كانت أكبر من حيث استغلاله الدين في تبرير جرائمه البشعة وإقامة ما سماه "دولة الخلافة" التي انهارت عند أول اختبار جدي، ومع ذلك فإن العالم يجد نفسه أمام تحد من نوع خاص؛ وهو كيفية مواجهة هذا الفكر المنحرف والمتطرف لتنظيم داعش ومحاربته؛ إذ من المؤكد -في نهاية المطاف- أنه سيتم اختيار زعيم جديد للتنظيم الإرهابي، وسيعمل على لملمة شتاته مع وجود أعداد كبيرة من عناصر هذا التنظيم لا تزال إما في السجون أو طليقة أو منتشرة عبر خلايا نائمة في المنطقة والعالم، الأمر الذي يبقي خطره ماثلاً.
تبقى هناك أسئلة وتساؤلات كثيرة حول مصرع البغدادي، منها ما يتعلق بالدور الغامض لأنقرة، خصوصاً أن العملية تمت قرب حدودها وفي منطقة يسيطر عليها حلفاؤها في "جبهة النصرة"، ومنها ما يتعلق بالموقف الروسي المشكك وما إذا كان لذلك علاقة بالتغطية على صفقة مع واشنطن تتيح لموسكو تصفية الجولاني زعيم "النصرة" لاحقاً، أو ما يقال عن أن الجولاني باع البغدادي مقابل إنقاذ حياته، وهي أسئلة لا بد أن تجيب عنها الأيام المقبلة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة