ستتغير كافة المعطيات في ظل الرهان على عودة القاعدة لتصدر المشهد في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي
سيواجه تنظيم داعش بعد البغدادي خيارات وسيناريوهات عديدة، خاصة أن النسخ الفرعية في مختلف الأقاليم قد لا تبدأ رحلة المبايعة للخليفة المنتظر، في ظل الصراع الراهن داخل التنظيم على الأولويات والمهام التي يجب العمل عليها في الفترة المقبلة، والانتقال من دولة الخلافة المركزية حيث الموقع المكاني للتحرك في بقاع عدة، وهي مرحلة مهمة وجديدة في فكر التنظيم بعد الخروج من العراق وسوريا، بمعني أن التنظيم كان قد بدأ بالفعل مرحلة جديدة قبل مقتل البغدادي، وبدأ العمل على أولويات مرحلة إعادة لم شمل التنظيم وجمع الأفرع في مختلف الأقاليم التي بدأت في إعلان تحفظاتها وأدوارها، وهو ما رفضته بعض القيادات في التنظيم، وكانت محل تحفظ حقيقي.
لا يمكن استبعاد تطلع تنظيم القاعدة لمحاولة إثبات الذات في ظل المتغيرات الجديدة، والعمل على ضم بعض القيادات الخارجة عن الصف لداعش، خاصة أن التنظيم تحت ولاية قرداش لن يستقر في ظل الخلافات مع القيادات الأخرى
سيدخل على المسار نفسه تنظيم القاعدة لينافس تنظيم داعش في مرحلته الجديدة، خاصة أنه من المتوقع أن تعود بعض قيادات أقاليم داعش إلى القاعدة، باعتباره الحاضنة الرئيسية في الوقت الراهن، ولحين اتضاح الرؤية للتنظيم ومدى تماسكه في مواجهة ما يجري داخله، وهي مرحلة تشبه مرحلة ما بعد تصفية أبوعمر البغدادي ومساعده أبوحمزة في عام 2010، حيث تولى في أعقاب هذه المرحلة أبوبكر البغدادي، والذي أعاد بناء التنظيم حتى أعلن قيام دولة الخلافة في 2014، كما تم وقتها إدماج تنظيم داعش في العراق التابع لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة السورية، إلا أن الأخيرة -كما هو شائع- رفضت الاندماج، مما دفع البغدادي للعمل على تأسيس داعش بالقوة والتطبيق الفوري للشريعة.
في هذا السياق، يجب التذكير بأن البغدادي أوصى بتولي عبدالله قرداش فيما أسماه بيان للتنظيم برعاية شؤون المسلمين، وبتبني نظرية العنف الموجه دون تمييز، وقرداش من أهم وأخطر قيادات داعش، وسبق أن تولى مواقع قيادية في القاعدة، ومن ثم فإن ولايته لن تكون عابرة في ظل مرحلة داعش الجديدة، والتي ستكون مختلفة شكلا ومضمونا عن المراحل السابقة للتنظيم، بصرف النظر عن حضور تنظيم القاعدة في المشهد الحالي.
فاليوم ستتغير كافة المعطيات في ظل الرهان على عودة القاعدة لتصدر المشهد في مواجهة داعش، كما سيتأثر الأمر بالالتزام بالمعطيات التي حكمت التنظيمين القاعدة ونسخها العديدة وتنظيم داعش الذي سيراجع سياساته الجهادية، خاصة أن القضية ليست في المبايعة للقيادة الجديدة لداعش، والتي ستتم على أسس جديدة في ظل صراع بين بعض القيادات التاريخية والتي عملت إلى جوار البغدادي سنوات طويلة، وإنما في مكانة الخليفة الجديدة في العمل إلى جوار تنظيم القاعدة، خاصة مع التوقع باحتمالات حدوث حالة من التشرذم والتفكك لبعض القيادات الوسطى في التنظيم الرئيسي، والذي سيلقي بتبعاته على نسخ التنظيم في بعض البقاع والأقاليم الموجود فيها، ولعل هذا يشير إلى ما جرى أيضا -مع فارق التجربة- داخل القاعدة ذاتها إثر مقتل أسامة بن لادن.
والرسالة المهمة التي يجب الإشارة إليها أن تنظيم داعش لن يندثر أو يتقوقع في نطاقه، بل سيذهب إلى إعلاء أولوياته، خاصة أن هناك قيادة جماعية بالفعل داخل التنظيم منذ خروج التنظيم من سوريا والعراق، والبدء في إعادة بناء التنظيم على أسس جديدة وهو ما أشار إليه البغدادي نفسه في سبتمبر الماضي، مؤكدا أن التنظيم موجود، داعيا عناصره بالعمل على إثبات وجود التنظيم لتنفيذ عمليات جديدة في الدول الغربية.
تبقى الإشارة إلى أن تداعيات العملية التركية في شمال سوريا كان لها دور في إقدام الجانب الأمريكي والتركي وعناصر سورية في التعجيل بإتمام تصفية البغدادي، باعتبارها أولوية أمريكية، تخوفا من عودة داعش من جديد، خاصة بعد أن هربت بالفعل عناصر من مراكز الاحتجاز الكردية إلى التسلل إلى الدول الأوروبية للبدء في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، وهو أمر سيظل مطروحا رغم كل ما جرى، بصرف النظر عن تماسك التنظيم في مواجهة المرحلة الجديدة، والتي ستتعلق بالمواجهة النوعية التي ستفرضها الحرب على الإرهاب والأولويات التي ستعمل عليها الإدارة الأمريكية ليس في سوريا والعراق فقط وإنما أيضا في أفغانستان، كما لا يمكن استبعاد تطلع تنظيم القاعدة لمحاولة إثبات الذات في ظل المتغيرات الجديدة، والعمل على ضم بعض القيادات الخارجة عن الصف لداعش، خاصة أن التنظيم تحت ولاية قرداش لن يستقر في ظل الخلافات مع القيادات الأخرى، وفي ظل وجود القيادة الجماعية ممثلة في جلال الدين التونسي، وأبومحمد الشمالي زعيم التنظيم في سوريا، وابيان كلين وغيرهم من القيادات العليا في التنظيم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة