«فنان الهروب».. قصة «مراوغ» فلسطيني أرهق إسرائيل في الضفة
سكان يهرعون في كل مكان، وإطلاق نار يدوي بالأرجاء. وسرعان ما ينتشر الخبر: وصلت الحرب للمخيم والقوات تبحث عن "فنان الهروب".
هذا ما كان يحدث في كل مرة كانت القوات الإسرائيلية تقتحم فيها مخيم بلاطة بمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، لمطاردة عبدالله أبوشلال (28 عاما).
لكن في الـ16 من يناير/كانون الثاني الماضي، انتهت "لعبة القط والفأر"، حين استهدفت غارة إسرائيلية أبوشلال وأربعة آخرين كانوا يستقلون مركبة في المخيم.
وذكر أحد أقاربه أن تلك كانت إحدى المرات الخمس التي أفلت فيها عبدالله من الإسرائيليين.
ويقول مسؤول عسكري إسرائيلي لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية: "في كل مرة نسمع فيها دخول الجيش للمخيم. كان (عبدالله أبوشلال) يهرب ويعود جزئيا".
"فنان الهروب"
طريقته في التخفي والإفلات من مطاردة الإسرائيليين له أكسبته لقب "فنان الهروب" وأنصارا له في بلاطة، وهو ما تعكسه الملصقات المنتشرة في شوارع المخيم والتي تشيد به.
ولتجنب اكتشافه كان عبدالله ينام في أماكن مختلفة ويغير ملابسه طوال اليوم.
وقال أحد مقاتلي بلاطة البالغ من العمر 30 عاما والذي كان مقربا من أبوشلال للصحيفة "إن "مقتل المدنيين والمسلحين لم يؤد إلا إلى حمل المزيد من الناس للسلاح وسقوط المزيد من القتلى". مضيفا "مقتل أبوشلال أدى إلى ظهور 10 مسلحين جدد".
ويتهم الجيش الإسرائيلي أبوشلال بتنفيذ هجوم بإطلاق نار في مستوطنة إسرائيلية أدى إلى إصابة شخصين في أبريل/نيسان 2023، إلى جانب هجوم آخر ضد جنود أسفر عن إصابة أحدهم.
كان عبدالله أبوشلال ينتمي إلى خلية بلاطة التابعة لكتائب شهداء الأقصى، التي صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية".
والعام الماضي قصف الجيش الإسرائيلي منزل عبدالله أبوشلال بغارة جوية واحدة على الأقل.
كيف تحول إلى مطارد؟
وقبل مقتله، قال أبوشلال لصحيفة "وول ستريت جورنال" إنه يشعر بالاستياء من الغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، والأراضي الفلسطينية التي يتم الاستيلاء عليها لإنشاء المستوطنات، والجدار الضخم الذي أقيم في شبابه، والذي يفصل المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية عن بعضها بعضا.
وأضاف "لا أستطيع أن أعيش في ظل هذا الظلم". "حياتنا عبارة عن حلقات من الذل".
أما والدته جميلة أبوشلال فلفتت إلى أن اهتمام ابنها بالمقاومة ضد إسرائيل نشأ خلال الانتفاضة الثانية، عام 2000 التي شهدت مقتل نحو 3000 فلسطيني بينهم شقيقه.
وبحسب أقاربه، فقد اعتقلت إسرائيل أبوشلال لأول مرة عام 2010، عندما كان مراهقا، وظل يدخل ويخرج من السجن حتى أواخر 2010.
بعد ذلك، حاول تغيير مسار حياته، حيث أكمل دورة تدريبية في عام 2022 لصالح جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة الفلسطينية.
لكنه سرعان ما انتقد التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وترك العمل.
ووفق أقاربه، قرر أبوشلال الانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى مع تصاعد الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين وتزايد الغارات العسكرية.
وبحلول عام 2023، في أواخر العشرينيات من عمره كان يقود وحدة، وكان أكبر سنا من معظم رفاقه، والعديد منهم في سن المراهقة.
كانت قاعدته هي مخيم بلاطة للاجئين، وهو مخيم مساحته نحو 60 فدانًا، ومكتظ بما يزيد على 32000 نسمة.
تم تأسيسه عام 1950 وكان الهدف منه في الأصل إيواء 5000 لاجئ فلسطيني.
الملل من انتظار الموت
وبعد مقتله، قالت والدته إنه في الأسابيع التي سبقت استهدافه، كان يفكر في الاستسلام، على الرغم من أنه لم يفعل ذلك قط.
وأضافت "لقد سئم العيش بين الأرض والسماء في انتظار الموت".
تكتيكات حرب غزة إلى الضفة
وتستخدم إسرائيل تكتيكات الحرب ضد المسلحين في بعض مخيمات اللاجئين التسعة عشر التي لا تزال منتشرة في الضفة الغربية بعد أكثر من 75 عاما من قيام إسرائيل، مما أدى إلى نزوح أكثر من 700 ألف فلسطيني.
ويعتبر الجيش الإسرائيلي المخيمات أماكن تنسيق للعديد من الهجمات على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت إسرائيل غارات جوية وتوغلات برية شبه يومية وقواعد اشتباك، في المخيمات الفلسطينية بالضفة، ما أدى إلى خلق جبهة قتال إلى جانب معارك القطاع.
ووفق مسؤول عسكري إسرائيلي، نفذ الجيش نحو 40 غارة بطائرات دون طيار في الضفة الغربية في الفترة من أكتوبر إلى مارس/آذار الماضيين، وفي الأعوام العشرين التي سبقت السابع لم يكن هناك سوى عدد قليل من هذه الضربات.
وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 435 فلسطينيا، فيما أصابت نحو 4900 آخرين بالضفة، منذ اندلاع حرب غزة، بحسب الأمم المتحدة.
وكان 2023 هو العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن نحو 80% من الأشخاص الذين قُتلوا في الضفة الغربية منذ أكتوبر/تشرين الثاني كانوا مسلحين.
في حين يؤكد مسؤولون فلسطينيون أن العديد ممن قُتل كانوا من المارة المدنيين أو أصيبوا بالرصاص بسبب إلقاء حجارة على الجنود.
aXA6IDUyLjE1LjIyMy4yMzkg
جزيرة ام اند امز