مسار تحول الطاقة في بنغلاديش.. مواجهة الموجات الصادمة
خلال العامين الماضيين، ومع عدد من الأزمات التي عانى آثارها العالم وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية أطلق سوق الطاقة العالمي غير المستقر موجات صادمة في قطاع الطاقة والكهرباء في بنغلاديش.
وحسب التقارير المحلية دخل قطاع الطاقة والكهرباء في بنغلاديش، مرحلته الثالثة من التطور. وتُعرف هذه المرحلة بين الخبراء على نطاق واسع بمرحلة انتقال الطاقة؛ حيث تحتاج بنغلاديش إلى تحويل قاعدة الطاقة الخاصة بها من الوقود الأحفوري إلى البنية التحتية القائمة على الطاقة المتجددة.
- كيف تتناول الموز وتساعد الكوكب؟.. تجربة صديقة للبيئة
- خطة منديز جاهزة لتغيير العالم.. تجربة لاتينية في الطاقة النظيفة
وبالنظر إلى تزايد استنزاف الاحتياطيات المعروفة التي دفعت البلاد نحو استيراد الوقود الأحفوري لتوفير الطاقة لمحطات الكهرباء والقطاع الصناعي، فإن التحول الكبير لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المحلي ضروري لبنغلاديش.
تطور قطاع الطاقة في بنغلاديش
في المرحلة الأولى، كان الطلب على الطاقة في بنغلاديش محدودًا، تقابله قيود العرض. وفي المرحلة الثانية، التي امتدت على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، شهد توليد الطاقة نموًا قويًا.
وحسب الأرقام الرسمية فمنذ مايو/آيار 2009، زادت القدرة المركبة من حوالي 5 غيغاوات إلى 27.4 غيغاوات في مايو/آيار 2023 لتلبية احتياجات الاقتصاد المتنامي، بما في ذلك قطاع الملابس والمنسوجات المزدهر والقطاعين المحلي والتجاري المتناميين.
وشهدت بنغلاديش انخفاضا مستمرا في فقر الطاقة بين سكانها في العقدين الماضيين. وفي مثل هذا السياق على وجه التحديد، تحتاج بنغلاديش إلى النظر في المرحلة التالية من مسيرة قطاع الطاقة وتطويرها.
وحسب الخبير الاقتصادي البنغالي الدكتور خوندكر غلام معظم، يتعين على بنغلاديش أن تسعى إلى التحول في مجال الطاقة ورفع القطاع من خط الأساس الحالي الذي يتميز ببعض أوجه القصور الأساسية، بما في ذلك مشاكل إمكانية الوصول والإنصاف والاستدامة.
وتدرك العاصمة دكا بوضوح الحاجة إلى التحول نحو قطاع الطاقة منخفض الكربون الذي يضمن احتياجات وحقوق الناس العاديين بما في ذلك العمال والنساء والفئات الضعيفة.
ولديها العديد من الخطط والالتزامات التي اعتمدتها الحكومة البنغالية والتي تؤكد هذا النهج، وحددت "خطة ازدهار المناخ 2021" هدف توليد 40% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2041.
تحديات الطاقة التقليدية
تتمثل إحدى التحديات الرئيسية في بنغلاديش في قطاع الطاقة، في تشابك البلاد المتزايد في البنية التحتية للفحم والغاز الطبيعي المسال.
وقامت بنغلاديش ببناء بعض محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم على مدى العقد الماضي بقدرة 3 غيغاوات، كما أن هناك العديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في طور الإعداد والتي ستضيف قدرة أخرى تبلغ 6.2 غيغاوات.
وسيتم تحقيق زيادة مماثلة في القدرة من خلال محطات الطاقة المبنية حديثًا والتي تعتمد على الغاز الطبيعي المسال.
وبالتالي، فإن الاحتياطي الفائض في توليد الطاقة، الذي بلغ 36% في مايو/آيار 2023، سيصل إلى 50% بحلول عام 2025.
وقد تسببت هذه الاحتياطيات الفائضة بشكل رئيسي من خلال محطات توليد الطاقة في القطاع الخاص في زيادة دفع رسوم الطاقة، البالغة 12.12 مليار دولار في الفترة 2009-2023 (مع الأخذ في الاعتبار معدل متوسط قدره 82.5 تاكا لكل دولار للفترة 2009-2023).
ولا يزال أحد العناصر الرئيسية للتطورات الأخيرة المتعلقة بالطاقة في بنغلاديش هو التركيز على الغاز الطبيعي المسال المستورد، وهو الوقود الذي شهد تقلبات شديدة في الأسعار.
وهناك حاجة إلى استثمارات ضخمة لتطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، مثل وحدات التخزين العائمة وإعادة تحويله إلى غاز.
علاوة على ذلك، تسعى المسودة الأخيرة للخطة المتكاملة للطاقة في البلاد إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن الاستدامة، ومن ثم، فإن قطاع الطاقة مثقل بالديون العامة الضخمة، وزيادة الخسائر المالية وارتفاع أسعار التجزئة للكهرباء على المستهلكين.
متطلبات انتقال الطاقة
سيكون التمويل مطلبًا رئيسيًا لتحولات الطاقة في بنغلاديش، وخلال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف 2021، تم الاتفاق على تطوير شراكات انتقال الطاقة - أي آليات تعاون تمويلية جديدة ومبتكرة - لتوفير الدعم للبلدان النامية التي تتطلع إلى التحول نحو مسارات الطاقة المتجددة.
وينبغي أن يركز هذا التمويل على ثلاثة جوانب:
- خفض التمويل في توليد الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري.
- تمويل دعم التخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
- التمويل الجديد والمبتكر للطاقة المتجددة في مجالات التوليد والنقل والتوزيع والربط الخلفي والأمامي لسلسلة التوريد.
ويجب مواءمة السياسات والحوافز الوطنية لتسهيل التحول العادل للطاقة، بما في ذلك الجوانب الثلاثة السابقة.
ويرى خوندكر يشغل حاليًا منصب مدير الأبحاث في مركز حوار السياسات في بنغلاديش أن السياسات والمبادئ التوجيهية والاستراتيجيات المتعلقة بالطاقة الشمسية، على سبيل المثال، غالبا ما تقدم إشارات مختلطة وأهداف متباينة.
ومن المهم أن يحصل المستثمرون على إشارة واضحة وموحدة حول موقف سياسة الحكومة وعزمها على تطوير الطاقة المتجددة.
وينبغي، بحسب مقال خوندكر في صحيفة "ديلي ستار" أن تحفز السياسات المالية بشكل واضح التحول العادل في مجال الطاقة، فيما تمثل الرسوم والضرائب الحالية البالغة 37% المفروضة على استيراد مكونات الطاقة المتجددة مثل محولات الطاقة الشمسية عائقًا رئيسيًا أمام التوسع في الطاقة المتجددة.
ويمكن للبنك المركزي مراجعة محفظة التمويل الأخضر الحالية للقطاع المصرفي لتصميم نظام بيئي مالي أكثر فعالية يدعم التحول في مجال الطاقة.
وسيتطلب التحول أيضًا بناء قدرات أصحاب المصلحة الرئيسيين بما في ذلك المسؤولين الحكوميين ومنظمات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
قطاع الطاقة الشمسية
لم يتمكن برنامج أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية في بنغلاديش البلاد من تحقيق التأثير المنشود بسبب نقص القدرات والخدمات الشعبية، فمن بين أكثر من 5 ملايين نظام، هناك حوالي 2 مليون نظام فقط قيد التشغيل الآن، والباقي خارج الخدمة بسبب أوجه القصور المختلفة.
ومن المهم بنفس القدر وجود بنية تحتية للامتثال وضمان الجودة تضمن أن المنتجات والتكنولوجيا المستخدمة في تحول الطاقة تتمتع بالمعايير المناسبة.
ومن المهم أيضًا تطوير نظام شبكي متوافق مع الإمداد المتنوع والمتقطع للطاقة من محطات الطاقة المعتمدة على الطاقة المتجددة.
ويمكن للتكنولوجيا المتدنية أن تؤثر بشكل كبير على التحول نحو الطاقة المستدامة، ففي مخططات الطاقة الشمسية المنزلية، أفادت التقارير أن البطاريات ذات الجودة المنخفضة أدت إلى معاناة العملاء، كما أن الفشل في ضمان الجودة المناسبة يمكن أن يؤدي إلى تآكل ثقة واهتمام المستخدمين وكذلك المستثمرين.
وبينما تتحرك بنغلاديش نحو وضع الدولة ذات الدخل المتوسط، فإن خطتها التنموية الوطنية تحتاج أيضًا إلى أن تتماشى مع مكانتها الأكبر وطموحاتها الأكبر. وبعد إحراز تقدم هائل في العقود الأخيرة، يستعد قطاع الطاقة والكهرباء الآن للانتقال نحو نموذج تنمية أكثر استدامة وشمولاً.
وسيحتوي هذا النموذج على مزيج طاقة منخفض الكربون وأكثر ملاءمة للبيئة، كما سيضمن أيضًا حصول الفئات الاجتماعية المهمشة على فرص كافية وعادلة للحصول على الطاقة والفرص الاجتماعية والاقتصادية.