هجوم "باسيل" على حزب الله.. تصعيد "شكلي محسوب" أم قطيعة؟
على وقع امتداد الشغور الرئاسي في لبنان، تتفاقم أزمة الثقة وتطفو خلافات للعلن بين حزب الله والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل.
خلاف بدا واضحا أعقب تأمين حزب الله النصاب القانوني لانعقاد جلسة مجلس الوزراء، الإثنين الماضي، ما اعتبرها التيار الوطني الحل "طعنة وزارية" من حليفه الأساسي.
ودخل لبنان في شغور رئاسي، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط غياب أي ملامح لانتهاء تلك الحالة، خاصة بعد فشل البرلمان على مدار 8 جلسات في انتخاب رئيس جديد.
وفجرت دعوة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى عقد جلسة مجلس الوزراء بهيئة تصريف الأعمال الإثنين الماضي، جدلا جديدا بين الفرقاء السياسيين.
وتسببت الجلسة الحكومية أيضا في شرخ وأزمة عميقة في العلاقة بين الحليفين (الحزب والتيار)، عقب تأمين الحزب نصاب الثلثين من الوزراء اللازم لانعقاد جلسة الإثنين (ما يزيد عن 16 وزيرا من أصل 24).
تصريحات عنيفة
وفي اليوم التالي للجلسة الوزارية، أطلق رئيس التيار الوطني الحر (الفريق السياسي لعون وصاحب ثاني أكبر كتلة مسيحية بمجلس النواب) سلسلة تصريحات، وصفت بالأعنف تجاه حليفه الأساسي "حزب الله" والتفاهم القائم بينهما منذ عام 2006.
وقال باسيل، إنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك، ولا قيمة ولا قيامة لأي تفاهم وطني يناقض الشراكة الوطنية".
وأضاف أن "الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء"، مردفا أنه "إذا كان أحد يظن أنه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي، نقول له إنه لن يجدي ذلك، وهذا الأمر يؤدي إلى تصلب أكثر".
كما أشار رئيس التيار إلى أنه قد "حصل اتفاق مسبق على جلسة الإثنين (الجلسة الحكومية)، ولو لم يحصل ذلك لما تجرأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على الدعوة"، قائلا: "مشكلتنا ليست معه (ميقاتي) بل مع مشغليه"، في إشارة إلى الثنائي، حزب الله وحركة أمل.
واستطرد باسيل "مشكلتنا مع الصادقين الذين نكثوا بالاتفاق والوعد والضمانة، وهذه ليست المرة الأولى، أقله في الفترة الأخيرة، من انتخاب المنتشرين والانتخابات بحد ذاتها إلى الحكومة".
ومضى في حديثه: "مش ماشي الحال أبداً، ويجب البدء جدياً باللامركزية الموسعة".
وما لم يقله رئيس التيار الوطني الحر بشكل مباشر للحزب قاله أنصاره، حين طالبوا بشكل واضح بفك الارتباط، لعدم جدوى استمراريته بعد تصرف حزب الله الذين وضعوه في خانة "الغدر"، ووصفه آخرون بـ"طعنة وزارية".
وكشف عضو تكتل لبنان القوي النائب غسان عطالله، في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، أن حزب الله وعد التيار الوطني الحر بأنه لن يشارك بالجلسة الحكومية وشارك بها، قائلا: "الذي حدث هو شيء خارج عن الدستور".
وتابع: "إذا اعتقد حزب الله أن هذا النوع من الجلسات قد يضغط على التيار للذهاب بالأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية فهو أمر مُحزن وقواعد التيار لا تتغير بالضغط".
واعتبر عطالله أن "المرحلة تشبه انقلاب عام 1990، واليوم كان في محاولة هيك وفشلت وميقاتي يؤدي ما كلّفه فيه الثنائي الشيعي".
من جهته، دافع عضو تكتل الوفاء للمقاومة (التكتل النيابي لحزب الله) النائب حسين جشي، عن مشاركة وزراء حزب الله في جلسة الإثنين، قائلا إن "المشاركة جاءت من بوابة إرادة نابعة من قناعاتنا بأن هناك بنوداً كانت تستوجب قراراً حكومياً لأهميتها وضرورتها، لكونها تتصل بمشاكل الناس، فكما هناك تشريع الضرورة، هناك اجتماع الضرورة".
ووضع "جشي" في حديث تلفزيوني الحديث عن ترشيح حزب الله لفرنجية بخانة التسريب الإعلامي، قائلا"نحن لم نعلن ذلك، ونحرص على التفاهم، ولن نطرح أي اسم من بوابة الاستفزاز أو من منبع أن نخلق اصطفافات في البلاد على غرار من يرشح (ميشال) معوض، من هنا التزمنا الورقة البيضاء".
فك الارتباط
وما بين هذا وذاك، طرح محللون سؤالا: هل تمهد الانتقادات التي ظهرت للعلن بين الحليفين إلى فك الارتباط بينهما؟
رأى النائب فادي كرم عضو تكتل الجمهورية القوية (التكتل النيابي لحزب القوات)، في حديث خاص من بيروت لـ"العين الإخبارية"، أن الفريقين يناوران مع بعضهما البعض، والفريقين يضغطان على بعضهما البعض في المسألة الرئاسية.. الوضع دقيق بينهما، ولكنهما بحاجة لبعضهما البعض".
وأضاف: "قد تنزلق الأمور إلى الأسوأ بين الفريقين، وخلال اليومين القادمين سوف يحدّدان العلاقة بينهما ويرسمان خطوط المرحلة الجديدة".
وبعيدا عن الارتباط بين فريقي حزب الله والتيار، قال كرم إن هكذا علاقات تأثيرها دائماً سلبي على الوضع العام للشعب وللدولة، ففي فترة شهر العسل بينهما يُصادران القرار الوطني ويرهنان الشعب لصالح حساباتهما، وفي فترة التوتر يُصعدان بالوضع العام إلى درجة التطرف المدمّر".
وذهبت مصادر سياسية مطلعة إلى القول إن "باسيل" يريد من التهديد والوعيد الذي خاطب به حليفه من دون أن يسميه بالاسم، ليس كسر التحالف معه، بل غاياته رئاسية بحتة.
وأضافت المصادر لوسائل إعلام محلية أن باسيل لا يزال يترك الباب مفتوحا على احتمال التوصل إلى تفاهم رئاسي مع حزب الله، وهو يراهن على أن الأخير لا يمكن أن يسير برئيس، كفرنجية، لا صفة تمثيلية وازنة له في الشارع المسيحي من جهة، ولا يحظى بغطاء قوة سياسية مسيحية وازنة، من جهة ثانية.
تقسيم لبنان؟!
وفي قراءته لمغزى هجوم باسيل على حزب الله، قال الدكتور محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، إن أخطر ما قاله رئيس التيار (العوني) أن الأوان قد آن لبدء العمل باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، ما يعني أنه أطلق تهديدا مفاده؛ إما أن أكون أنا الممر الإلزامي لأي رئيس للجمهورية، وإما أن أتحول إلى حالة تقسيمية أسيطر فيها على جزء من لبنان تحت مسمى المجتمع المسيحي.
وفي توضيحه، قال الرز في حديث لـ"العين الإخبارية": "ذهب باسيل إلى العاصمة الفرنسية لجس النبض حول إمكانية دعمه للوصول إلى رئاسة الجمهورية فحصل على جواب فرنسي رافض لهذا الأمر".
وأردف: "حين عاد (باسيل) محبطا إلى لبنان اصطدم بدعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لإقرار الضروري من احتياجات الناس، هنا شعر بأن مرماه اخترقه أكثر من هدف، وأن المسار الموجود الآن سياسيا في لبنان هو إخراج التيار العوني من التحكم بمقاليد السلطة بعد خروج رمز التيار من القصر الجمهوري".
بعد ما تقدم لجأ باسيل، والتعليق للمحلل السياسي اللبناني، إلى أقصى درجات التصعيد، فمن حقق اجتماع الحكومة خلافا لرغبته قادر على أن يأتي بسليمان فرنجية أو جوزيف عون لرئاسة الجمهورية وأيضا خلافا لموقف باسيل، الأمر الذي يعني وضعه في حجمه الطبيعي كنائب ورئيس كتلة نيابية.
وأستطرد: اعتبر باسيل أن حليفه الوحيد على الساحة اللبنانية (حزب الله) قد غدر به، فلجأ إلى كشف حقيقة موقفه وهو إما أن أبقى على قوتي ودوري السابقين وإما أن أتحول إلى حالة تقسيمية.
ولفت إلى أن السؤال الملح هو كيف سيواصل حزب الله تغطية باسيل وهو يلعب بالنار؟.. الجواب سيظهر خلال الفترة القليلة المقبلة، بعد أسبوع أو اثنين حين يدعو ميقاتي إلى جلسة استثنائية ثانية لمجلس الوزراء لإصدار مراسيم تتعلق بالكهرباء وبقانون الكابيتال كونترول المالي.