بإعلانه الاستقالة من منصبه، أربك مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، المشهد في البلد الذي سبق أن أذاق سابقيه من كأس الفشل نفسها.
ويعتقد خبراء تحدثوا إلى "العين الإخبارية" أن استقالة المبعوث الأممي الثالث إلى ليبيا جاءت على خلفية "استسلامه" لقيود القوى الدولية الفاعلة في الملف الليبي، وعدم قدرته على تجاوز الحدود التي فرضتها الأجندات الخارجية في البلد الأفريقي.
وكان باتيلي الذي قدم استقالته الثلاثاء إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أشار إلى أن المنظمة الأممية "لا يمكن أن تتحرك بنجاح" دعما لعملية سياسية، في مواجهة قادة يضعون "مصالحهم الشخصية فوق حاجات البلاد".
وكان الأمين العام قد عين باتيلي كأول أفريقي في هذا المنصب في سبتمبر/ أيلول 2022، خلفاً لـسابقه يان كوبيش، الذي عمل في السابق بصفة المبعوث الخاص ورئيس البعثة.
وقال الخبير الإيطالي في الشؤون الليبية دانيلي روفينيتي، كبير مستشاري مؤسسة ميد أور الإيطالية، إن باتيلي مرتبطة بالأزمة الأمنية الجارية في طرابلس مع المليشيات المتنافسة، التي واجهت بعضها مؤخراً مع خطر خروج الوضع عن السيطرة.
وأضاف روفينيتي في حديث لــ"العين الإخبارية" أنه إن كان لباتيلي ميزة واحدة فهي السماح بمشاركة أكبر للدول الأفريقية في الملف الليبي - مع الحفاظ على الحوار النشط مع المجتمع الدولي برمته، لافتا إلى أنه سنغالي ويدرك هذه الحاجة.
وأشار إلى أنه في الواقع لم يكن فعالا أيضا، وكانت مساهمته محدودة بسبب تفاقم الانقسامات الداخلية نتيجة تعيينه، مبينا أنه رغم نجاح باتيلي في بداية عمله بتوجيه عمليات التقارب بين مجلس الدولة والبرلمان وهي نتيجة إيجابية بشكل عام، لأنها تمثل البداية الرسمية لخريطة الطريق لتشكيل حكومة جديدة، التي لن يشهد ميلادها إلا أن الأحداث تغيرت بعد تغيير رئيس مجلس الدولة.
وتوقع الخبير الإيطالي في الشؤون الليبية أن يكون المبعوث الجديد أوروبياً، نظرا لكون الملف يحظى بأهمية خاصة على قائمة أولويات القارة العجوز.
عجز
أما الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي، الدكتور يوسف الفارسي، فرأى أن الاستقالة ناتجة عن عجز باتيلي عن تقديم أي توافق بسبب تشبث قيادات المكون الليبي في السلطة، ورفض الأطراف السياسية لحوار شامل، مع غياب الرغبة والإرادة لدى الأطراف السياسية في ليبيا على تقديم تنازلات.
وأوضح الفارسي في حديث لــ"العين الإخبارية" أن الاستقالة جاءت خارج حسابات الجميع في ظل إضافته حكومة الشرق إلى الحوار في الفترة الأخيرة، مرجعا الاستقالة إلى شعور باتيلي بتكبيله من قبل الدول الكبرى المتداخلة في الشأن الليبي وحرصها على بقاء الوضع كما هو عليه.
واتفق مع الفارسي، رئيس حزب صوت ليبيا، فتحي الشبلي، الذي أكد أن "فترة المبعوث الأممي لا يمكن أن تميز خلالها أي محطة تستحق الذكر، كونه استسلم بالكامل لتوجيهات وأجندات الإرادات الدولية وانحرف بمهمة البعثة إلى مكتب يتبع خارجية الدول الغربية الفاعلة".
إرباك
وأشار إلى أن مبادرات باتيلي خلال عمله زادت في إرباك المشهد السياسي في ليبيا، وعمقت الخلافات بين الشرق والغرب، لافتا إلى أنه لم يطرح حلا واحدا قابلا للتنفيذ بل اعتمد سياسة إدارة المشهد وإضاعة الوقت وترك العديد من القوات الأجنبية في البلاد.
وأعرب رئيس حزب صوت ليبيا عن اعتقاده بأن باتيلي ربما أجبر على الاستقالة في محاولة لدفع الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لخلافته.
واتفق مع الشلبي، المحلل السياسي الليبي، مفتاح القيلوشي، الذي قال إن الاستقالة كانت متوقعة الشهر الماضي، بعد تكليف ستيفاني الثانية (في إشارة إلى ستيفاني ويليامز التي تولت الملف بالوكالة لفترة) لتكون اليد العليا أمريكية.
تمهيد
وشدد القيلوشي في حديث لــ"العين الإخبارية" على أن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي كسابقيه لم يقدم جديدا للمشهد الليبي في مدة عمله إلا مزيدا من التعقيد بعد الإخفاق في المبادرات المتتالية.
وأردف أن باتيلي حاول تكرار تجربة سابقيه بالدعوة لحوار جديد على طاولة خماسية ثم سداسية إلا أنها فشلت بعد وضع عراقيل أمامها حتى لا يتم استبدال حكومة الوحدة (في الغرب) بأخرى تبسط سيطرتها على الأراضي الليبية وتجري الانتخابات.
ويراهن القيلوشي في الفترة المقبلة على وعي الشعب الليبي قائلا إنه "يجب أن يقول كلمته ولا ينتظر البعثة الأممية المقبلة".
وخلال مدة عمله قدم المبعوث الأممي عدة مبادرات منها لجنة 6+6 (تضم ممثلين عن البرلمان ومجلس الدولة)، لوضع قانون الانتخابات، وبعدها المبادرة الخماسية الجديدة التي واجهت العديد من العراقيل ما أفشل إمكانية عقدها.
ويعد السنغالي باتيلي الدبلوماسي الثامن الذي يشغل هذا المنصب منذ العام 2011، وثالث مسؤول أممي يستقيل من رئاسة بعثة الأمم المتحدة بعد السلوفاكي يان كوبيش الذي استقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وغسان سلامة في عام 2020.