مساعي إعادة الدبلوماسيين الأمريكيين لليبيا.. صراع نفوذ أم لحاق بالركب؟
بعد أكثر من 10 سنوات على مغادرة البعثة الأمريكية بنغازي، إثر مقتل السفير كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين، بدأت واشنطن تفكر في إعادة دبلوماسييها إلى ليبيا مرة أخرى.
تفكير تزامن مع حراك أمريكي تزايد مؤخرًا على الساحة الليبية، مما طرح تساؤلات حول الأسباب وسر التوقيت.
فما الجديد؟
مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، قال لموقع «المونيتور»، إن إدارة الرئيس جو بايدن أخطرت الكونغرس بخطتها لاستعادة الوجود الدبلوماسي الأمريكي في ليبيا، بعد عقد من الاضطرابات في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا التي أجبرت الدبلوماسيين الأمريكيين على إخلاء السفارة الأمريكية في طرابلس.
وبحسب المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، فإن وزارة الخارجية الأمريكية قدمت إخطارًا رسميًا إلى المشرعين هذا الشهر، لبدء عملية تستغرق عامًا إلى عامين، يتم بموجبها إنشاء «منشأة دبلوماسية مؤقتة» في العاصمة الليبية طرابلس.
ولا توجد للولايات المتحدة سفارة في ليبيا منذ انسحاب أفرادها تحت حراسة عسكرية مكثفة في عام 2014، لينتقل الدبلوماسيون الأمريكيون إلى مالطا ثم إلى تونس، حيث يشكلون الآن مهمة نائية تُعرف باسم المكتب الخارجي لليبيا.
وبحسب «المونيتور»، فإن الإخطار تضمن مطالب مالية قدرت بـ57.2 مليون دولار لتمويل وجود دبلوماسي أكثر قوة في ليبيا، بما في ذلك تكاليف الممتلكات والسفر والمعدات والأمن في منشأتها الواقعة في الضواحي الغربية لطرابلس.
وتشدد وزارة الخارجية على أن خطة تشغيل سفارتها، التي استغرق إعدادها عامين، تشتمل على «ضمانات محددة بوضوح، لضمان سير العمل الدبلوماسي بأمان وفعالية».
وقد أطلعت الوزارة ونسقت بشكل وثيق مع لجان الكونغرس ذات الصلة بشأن الترتيبات اللوجستية والأمنية في بالم سيتي، وهو مجتمع فاخر مسور في حي جنزور بطرابلس حيث تستأجر الولايات المتحدة حاليا عقارات. ويستضيف المجمع المترامي الأطراف أيضًا مزيجًا من شركات النفط والغاز والمنظمات غير الحكومية والبعثات الأجنبية الأخرى، بما في ذلك بعثات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
فهل ستعود السفارة الأمريكية رسميا لليبيا؟
يقول الموقع الأمريكي، إن المنشأة الأمريكية لن تكون سفارة رسمية، على الأقل في المستقبل المنظور، مشيرًا إلى أن الدبلوماسيين المقيمين في تونس والمكلفين بالعمل في ليبيا سيستخدمون تلك المنشأة للقيام برحلات أطول في ليبيا.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة الترتيبات، إنه «ليس هناك بديل عن التواصل المستمر على الأرض مع الجهات الفاعلة الليبية»، مضيفًا: «لقد أخذنا الوقت الكافي للقيام بالتخطيط الدقيق لهذا الحدث الهام. إنها مهمة معقدة للغاية لاستئناف العمليات في موقع معلق».
لحاق بالركب؟
وعلى الرغم من المأزق السياسي في ليبيا، أدى تحسن الظروف الأمنية إلى قيام العديد من شركاء الولايات المتحدة بإعادة فتح سفاراتهم في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إيطاليا في عام 2017، وفرنسا في عام 2021، والمملكة المتحدة في عام 2022، إلا أن الولايات المتحدة أحجمت عن تلك الخطوة.
وحول ذلك، يقول المحلل السياسي الليبي عصام التاجوري، إن عودة الدبلوماسيين الأمريكيين المحتملة إلى ليبيا، هي محاولة من واشنطن للحاق بالركب، خاصة بعد التدافع من الصين والاتحاد الأوروبي، نحو أفريقيا.
وأوضح التاجوري، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن المشهد الليبي أصبح جاهزا لحل دائم، الأمر الذي تطلب معه وجود عدد أكبر من الموظفين الأمريكيين، للعمل في مشروع متكامل لتوطيد هذا المشروع الذي أصبح شبه مهيأ للاكتمال، إلا إذا حدث طارئ.
صراع نفوذ؟
رغم توصيفه بتلك التطورات بأنها أكبر من كونها صراع نفوذ، فإنه قال إن واشنطن تحاول الدفاع عن مصالحها، بعد أن تراخت في هذا الملف كثيرا بسبب انشغالها في الملفات الداخلية وحرب أوكرانيا، مما جاء على حساب النفوذ الأمريكي في القارة السمراء.
وأشار إلى أن واشنطن تحاول أن تجد لنفسها حصة بين تلك الحصص التي تدافعت وسبقتها في شراكات كثيرة مع الدول الأفريقية.
إلا أن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الوطني السابق عبدالمنعم اليسير، اعتبر المساعي الأمريكية الأخيرة تأتي في إطار صراع النفوذ، واصفًا السياسة الأمريكية الخارجية بـ«المتخبطة».
وفي حديث لـ«العين الإخبارية»، قال اليسير، إن الولايات المتحدة تحاول عدم فقدان وضعها في ليبيا، خاصة بعد تزايد النفوذ الروسي في أفريقيا، مشيرًا إلى أن واشنطن كان بإمكانها ألا تخرج من ليبيا، إلا أنها آثرت الانسحاب بطريقة غير مفهومة، في إشارة إلى خروج بعثتها من ليبيا قبل عقد من الزمان.
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، إن الولايات المتحدة في إطار سياستها الرامية المعلنة لمنع التمدد الروسي المزعوم في ليبيا وأفريقيا بصفة عامة، بدأت في استخدام الشركات الأمنية الخاصة في ليبيا، مشيرًا إلى سيطرة شركة أمنتوم الأمنية على مطار معيتيقة الدولي في طرابلس.
مواجهة النفوذ الروسي
وبحسب المحلل الليبي، فإن «الولايات المتحدة كونت غرفة عمليات مركزية، يشرف عليها ضباط أمريكيون، مهمتها تنسيق المهام العسكرية وتدريب وتسليح بعض عناصر المليشيات المسلحة، لإعدادها لأي مواجهة عسكرية مع ما تسمية تنامي النفوذ الروسي في شرق البلاد»، على حد قوله.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز خدمات قنصليتها لحماية المواطنين الأمريكيين في طرابلس، عبر تعزيز التواجد الأمني والسياسي في الغرب الليبي، والتحضير لما وصفه بـ«مواجهة عسكرية مع روسيا في ليبيا، بعد النكسة التي تواجهها الولايات المتحدة والغرب في أوكرانيا».
وجهة النظر تلك، أشار إليها «المونيتور»، قائلا، إنه من بين الأسباب الرئيسية لعودة الولايات المتحدة إلى ليبيا هو اتساع موطئ قدم روسيا على الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، مؤكدًا أنه بينما كانت الولايات المتحدة تمارس دبلوماسيتها من على الهامش، «تعزز النفوذ الروسي في ليبيا».
وقال المسؤول الكبير في وزارة الخارجية: «من المنطقي أنه بينما تزيد معظم الدول الأخرى، بما في ذلك القوى الكبرى، من وجودها الدبلوماسي في طرابلس، يجب على الولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه».
فراغ دبلوماسي
وقد جعلت الدبلوماسية عن بعد من الصعب على المسؤولين الأمريكيين مراقبة الأحداث على الأرض وبناء العلاقات الضرورية مع الجهات الفاعلة المحلية.
وبصفته مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا، يسافر السفير السابق ريتشارد نورلاند بانتظام بين واشنطن وطرابلس، إلا أنه مع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليس لديها حاليا سفير في الدولة التي مزقتها الحرب، بينما تنتظر الدبلوماسية جنيفر جافيتو تأكيد مجلس الشيوخ لتولي المنصب الشاغر في تونس.
في المقابل، سعت موسكو لملء الفراغ الدبلوماسي؛ فسفيرها في ليبيا، حيدر أغانين، يتحدث العربية بطلاقة وكان يعمل في خدمة أخبار روسيا اليوم ويصفه دبلوماسيون آخرون بأنه «نشط للغاية».
وقالت ستيفاني ويليامز، وهي دبلوماسية أمريكية سابقة عملت أيضًا في مناصب عليا بالأمم المتحدة في البلاد، بما في ذلك مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا من عام 2021 إلى عام 2022، إن الروس «يبدو أنهم يعززون وجودهم».
ويليامز أضافت: «لم تكن ليبيا قط على رأس قائمة أولويات واشنطن. لم تكن الولايات المتحدة موجودة هناك منذ سنوات عديدة، ولكن عليك أن تبدأ من مكان ما. أفضل مكان للبدء هو سفارة على الأرض».