وجبة الباطوط.. فرنسا تعلن الاستنفار ضد الجزائر لـ"محاولة اغتيال سفيرها"
يقول المثل: "همّ يُضحك وهمّ يُبكي"، ومثل جزائري آخر يقول "واش داك يا ميمونة للواد" (ما الذي أخذك إلى الواد يا ميمونة).
وقد ينطبق ذلك إلى حد كبير مع قصة أكلة جزائرية تقليدية كادت "تعصف" بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، رغم أن الأكلات التقليدية من ركائز التبادل والتقارب الثقافي بين الشعوب.
القصة ورغم أنها حقيقية لكنها طريفة، حدثت مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وتحولت معها أكلة "الباطوط" التقليدية إلى "متهم خطر".
و"الباطوط" أكلة تقليدية معروفة بذوقها الحار جدا، تشتهر بها محافظة بسكرة الواقعة شمال شرق صحراء الجزائر، والملقبة بـ"عروس الزيبان"، وهي واحدة أيضا من المدن التي شهدت مقاومات بطولية ضد الاحتلال الفرنسي (1830 – 1962).
محافظة معروفة أيضا بأصالتها وتشبثها بهوية الجزائر العربية وثقافتها الممتدة لمئات آلاف السنين، وكذا هدوئها وجمال طبيعتها الصحراوية.
كلها عوامل دفعت السفير الفرنسي عام 1983 "التشوق" لزيارة هذه المدينة، واختار فصل الشتاء ليحل عليها ضيفاً في "مهمة سياحية واستكشافية".
ووفق الرواية المتداولة والمؤكدة، وخلال زيارته إلى المدينة، أصر السفير الفرنسي على تذوق الأكلات التقليدية التي تشتهر بها مدينة بسكرة، والتي في غالبها يكون ذوقها حار.
ولأنها مدينة الكرم والجود ومضيافة كبقية مدن الجزائر، قررت السلطات المحلية لمدينة بسكرة أن يكون طبق "الباطوط" التقليدي "على شرف سعادة السفير"، وهي الأكلة التي أعجب بها.
وبحسب القصة دائما، ما هي إلا ساعتين فقط بعد تناوله أكلة "الباطوط" حتى "أعلنت باريس حالة استنفار" في الجزائر، بعد أن تلقت الخارجية الفرنسية من سفارتها بالجزائر بأن "السفير خرج ولم يعد"، وهناك "سيناريو لمحاولة اغتياله".
ولأن المبطخ الغربي عموماً، والفرنسي خصوصاً والنظام الغربي الأوروبي تحديدا لا يعتمد في وصفات أكلاته على المواد الحارة، فقد تسببت أكلة "الباطوط" في "انتكاسة صحية" للسفير الفرنسي.
وبعد ساعتين من تناوله لهذه الأكلة الحارة، تم نقل السفير الفرنسي على جناح السرعة إلى العاصمة في "حال يرثى لها"، لتُبرق السفارة الفرنسية لـ"الكيدورسي" "معلومة عاجلة" مفادها أن "السفير تعرض لمحاولة اغتيال"، لتطلب بدورها توضيحاً عاجلا من نظيرتها الجزائرية.
وكان رد الخارجية الجزائرية سريعاً، حيث أرسلت توضيحاً تضمن أسباباً قدمها السفير الفرنسي لإصراره على زيارة محافظة بسكرة واستكشاف أكلاتها التقليدية، لتهدأ بعدها عاصفة "أزمة دبلوماسية حارة" بعد أن أثبتت التحاليل الطبية تأثر الجهاز الهضمي للسفير بكمية الحار التي يصنع منها طبق "الباطوط".
ويعد "الباطوط" طبقاً شعبياً من أقدم الأكلات الشعبية التقليدية التي يزخر بها المطبخ الجزائري، وتمتد إلى أواخر القرن الـ15، وكان موجودا مع تأسيس المدينة من قبل الولي الصالح "سيدي ثامر بن محمد الليثي المشيشي الإدريسي" وفق ما تسرده مختلف المراجع التاريخية.
ولـ"الباطوط" تسميات أخرى، بينها "الزفيطي" و"المهراس" نسبة إلى الطبق الخاص الذي تحضر وتؤكل فيه، وكذا "الباطوط"، فيما يبقى أصل ومعنى كلمة "الباطوط" مجهولاً، ويرجعه البعض إلى مكوناتها وطريقة إعدادها وأكلها.
ويعتبر عند العائلات الميسورة "طبقاً ثانوياً" أي أنه من المقبلات التي توضع إلى جانب أطباق أخرى لفتح الشهية، ولدى العائلات المتوسطة أو الفقيرة فهو وجبة كاملة في الأيام العادية، لكن ما يجمع بينها هو أنه طبق يؤكد أصالة أهل المنطقة.