بتشين ولالاهم.. قصة حب بحار إيطالي وأميرة جزائرية تتحدى حقد العثمانيين
استمر العثمانيون في محاولات قتل الأميرال علي بتشين وباءت كل محاولاتهم العسكرية بالفشل والهزائم المتتالية
يزخر الموروث الشعبي الجزائري بحكايات وقصص حب حقيقية مشابهة لقصص "روميو وجولييت" و"عنترة وعبلة"، لكنها تختلف في تفاصيلها وحتى في نهاياتها.
ولم يسبق وأن تحولت أي واحدة من تلك القصص إلى فيلم سينمائي في الجزائر، رغم أهمية بعضها في التاريخ القديم.
- "كوكو".. مملكة أمازيغية بالجزائر تحدت العثمانيين قبل 500 عام
- "مليانة" الجزائرية.. زارها ابن بطوطة وعشقها الإدريسي
ولعل قصة البحار الإيطالي والأميرة الجزائرية من أشهر قصص الحب التي لا تزال متداولة، خاصة في العاصمة الجزائرية، وعمرها يتعدى الـ500 عام.
قصة الحب جمعت بين البحار الإيطالي "ألبيريكو بيتشينيني" والأميرة "لالاهم" ابنة السلطان أحمد بلقاضي حاكم مملكة "كوكو" الأمازيغية التي حاربت الإسبان والعثمانيين لقرنين كاملين.
تفاصيل القصة
بدأت القصة الحب عام 1578 عندما احتجزت البحرية الجزائرية السفينة التي كان على متنها، ليتم عرضه في سوق العبيد، قبل أن يشتريه حاكم الجزائر آنذاك "الريس بن خوجة" بـ60 قطعة ذهبية.
عمل بعدها "بيتشينيني" تحت إمرة الحاكم بن خوجة في قصر "الريس" بالجزائر العاصمة إلى أن بات قبطاناً في البحرية الجزائرية، وتولى خلالها رئاسة ما كان يعرف بـ"طائفة الريس" والتي تعني قائدا بحرياً.
لم يكن يعلم "بيتشينيني" أن تلك السفينة قادته إلى قدر جديد، وأن يتحول من مجرد قرصان إلى واحد من أشهر القادة العسكريين، خاصة بعد أن أشهر إسلامه، وأصبح اسمه "علي بتشين".
ومما يذكر في كتب القصص الشعبية، والتي تسرد على لسان القرصان الإيطالي: "هنا في مزغنة، أنزلتني إحدى بواخر البحرية أسيرا، وهنا في مزغنة تستّرت برداء الإسلام، ومن هنا بلغ صوتي مسامع حكام العالم وسلاطين زماني، ومن على عروشهم اهتزوا لاسمي وسلطاني، وها هنا في ساحة الحمراء بنيت بيتا لله، هو ذلك الذي تقف أمامه في زمانك ذاك يا ولدي، وتقرأ السطور بحثاً عن ذكراي. أنا الأميرال الإيطالي الجزائري المسلم علي بتشين".
والساحة الحمراء هي منطقة تقع في "حي القصبة" العتيق بالجزائر العاصمة والذي يعد أقدم حي سكني شعبي بالجزائر، ولا تزال به بعض المعالم الشاهدة على قصة "علي بتشين" بينها المسجد الذي شيده للأميرة التي عشقها.
من قرصان إلى أميرال
اكتشف قائد البحرية الجزائرية فتح الله بن خوجة بن بيري خبرة "بيتشينيني" البحرية، وجعل منه رفيقاً خلال جولاته في البحر المتوسط عبر أسطول كبير من البواخر والسفن، ليدخل القرصان الإيطالي الإسلام على يد "بن خوجة" ويختار اسماً عربياً وهو "علي بتشين".
سرعان ما تحول بتشين إلى واحد من أكثر العسكريين الذين يعتمد عليهم القائد "بن خوجو"، وسلمه قيادة الأسطول البحري عام 1630 ميلادي، ومنح له لقب "الريس" وهي الرتبة التي تعادل "الأميرال"، ومنذ ذلك الوقت ذاع صيته في منطقة المتوسط.
عشق يقود إلى التمرد
وخلال توليه قيادة الأسطول البحري، تعرف "الريس علي بتشين" على الأميرة "لالاهم" ابنة ملك مملكة "كوكو" الأمازيغية التي كانت "العدو الأول للاحتلال العثماني".
من هنا بدأت قصتان متناقضتان، واحدة حب جمعت الأميرال والأميرة، والأخرى كراهية السلطان العثماني سليم الثاني للأميرال.
سعى "بتشين" للزواج من الأميرة الأمازيغية رغم علمه بالعداوة التاريخية بين مملكتها والعثمانيين، إذ تذكر مختلف الروايات بأنه عرض عليها مهراً من ذهب وسجادا وحريرا، لكنها رفضت واشترطت أن يكون مهرها "بناء مسجد للمسلمين".
وافق الأميرال على شرط الأميرة، وبنى مسجدا يقع حالياً بحي "باب الوادي" وهو أكبر حي شعبي في العاصمة الجزائرية، ويحمل اسمه، على مساحة قدرها 500 متر مربع، بتصميم مزج فيه الهندسة المعمارية العثمانية والأمازيغية.
وبعد زواجه من الأميرة "لالاهم"، زاد نفوذ الأميرال علي بتشين، وبات له أنصار من مملكة كوكو، إلا أن السلطان العثماني سليم الثاني اعتبر ذلك "تحدياً" للدولة العثمانية وزاد تخوفه من بروز قوته العسكرية وامتدادها إلى منطقة حاربت وهزمت العثمانيين لقرنين كاملين.
أرسل السلطان العثماني فرقة عسكرية كبيرة عام 1644 للقضاء على الأميرال علي بتشين، الذي كان آنذاك يوصف بـ"سيد البحر المتوسط"، إلا أن قوات بتشين تمكنت من صدهم ولحقتهم إلى أعالي القصبة بالعاصمة من محافظة بجاية.
استمر العثمانيون في محاولات قتل الأميرال علي بتشين، وباءت كل محاولاتهم العسكرية بالفشل والهزائم المتتالية، فلم يكن أمام السلطان العثماني إلا استعمال أساليب المكر للقضاء عليه.
وفي عام 1645 توفي الأميرال علي بتشين نتيجة تناوله سماً من قبل مجهولين، إلا أن بعض الروايات أشارت إلى أحد جنوده، وأقيمت له جنازة كبيرة، لتنتهي معها فصول قصة حب تحدت حقد العثمانيين.