"الزفيطي".. أكلة جزائرية تتحدى الزمن بـ"طقوس خاصة"
لكل منطقة جزائرية خصوصيتها التي تميزها، وأسرار المطبخ واحدة من تلك المميزات التي جعلت المطبخ الجزائري واحدا من أغنى المطابخ العالمية.
"بوسعادة" تلك المدينة الهادئة والمضيافة التابعة لولاية المسيلة والتي تبعد بنحو 250 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائرية، من بين المدن التي تنبض بالموروث الجزائري الأصيل في كل تفاصيله، من الأكلات الشعبية القديمة إلى الألبسة التقليدية والفن الأصيل، جعلها تتميز عن كل مناطق الجزائر.
تقع في الهضاب العليا من الجزائر بموقع استراتيجي جعلها تتوسط كل جهات الجزائر الأربع، ورغم صغر مساحة بوسعادة إلى كل عاداتها وتقاليدها باتت علامة مميزة لأصالة موروث الجزائر الثقافي.
ولعل طبق "الزفيطي" الشعبي واحد من تلك الخصوصيات التي تميز مدينة بوسعادة وكل أهل "أولاد نايل" التي تعد أكبر قبيلة عربية في الجزائر منذ مئات السنين.
ويعد "الزفيطي" طبقا شعبيا من أقدم الأكلات الشعبية التقليدية التي يزخر بها المطبخ الجزائري، وتمتد إلى أواخر القرن الـ15، وكان موجودا مع تأسيس المدينة من قبل الولي الصالح "سيدي ثامر بن محمد الليثي المشيشي الإدريسي" وفق ما تسرده مختلف المراجع التاريخية.
أصل طبق الزفيطي
ولـ"الزفيطي" تسميات أخرى، بينها "المهراس" نسبة إلى الطبق الخاص الذي تحضر وتؤكل فيه، وكذا "الباطوط"، أما أصل ومعنى كلمة "الزفيطي" فبقي مجهولاً، ويرجعه البعض إلى مكوناتها وطريقة إعدادها وأكلها.
و"الزفيطي" تحضره بعض العائلات الجزائرية كمقبلات تقدم إلى جانب الأطعمة الأخرى لفتح الشهية، لكون مذاقه "حارا جدا" ويجد أي شخص صعوبة في إكماله في المرات الأولى، ويقدم إلى جانبه كأس من "الرائب" أو الحليب للتخفيف من حدة حرارته.
تضاعفت شهرة هذه الأكلة الشعبية في الأعوام الأخيرة، وانتقلت من مهدها مدينة "بوسعادة" وولاية المسيلة لتجتاح معظم مدن الجزائر، وسط إقبال منقطع النظير على محالها.
ورغم أن مكوناتها متوفرة في كل المنازل، إلا أن العائلات الجزائرية تفضل اقتناءها من محال صنعها، لأن لها "طقوساً خاصة" في إعدادها، وتتكون من البصل والطماطم والفلفل الحار والثوم المفروم بالمهراس اليدوي المعروف في الجزائر.
يأتي ذلك بالإضافة إلى "كسرة الخبز" وهو من أنواع الخبز التقليدية في الجزائر ويتم تحضيرها من السميد والماء والملح، وبعد طهيها يتم تقطيعها وسحقها في المهراس مع بقية الخضر والمكونات.
الطبق المقدس
عند سماع الجزائريين أكلة "الزفيطي" التقليدية الشعبية، يتذكرون مباشرة مدينتي المسيلة وبوسعادة، فهي علامة مسجلة لهذه المنطقة العريقة.
و"الزفيطي" الطبق الأكثر استهلاكاً عند أهل المنطقة طوال العام، وحتى في شهر رمضان، إذ تعمل نساء المنطقة على تعليم بناتهن طريقة إعداد "الزفيطي" منذ صغرهن، لأن عدم التعليم سيكون "عاراً" على تلك العائلة.
ونجحت عائلات المدينة في الحفاظ على هذا الموروث الشعبي منذ 5 قرون، ولم تطرأ أي تغييرات واكبت العصر الحالي، وبقي مع خصوصيته التي تميزه عن جميع الأكلات الشعبية القديمة في الجزائر.
ويقدم هذا الطبق ساخناً أو نصف ساخن، بعد تحضيره بطريقة خاصة جدا، إذ يقدم في "مهراس" خاص جدا، خشبي الصنع وطويل ومنه جاءت تسميته "زفيطي المهراس"، كما يؤكل بملاعق خشبية خاصة.
ويعتبر عند العائلات الميسورة "طبقاً ثانوياً" أي أنه من المقبلات التي توضع إلى جانب أطباق أخرى لفتح الشهية، ولدى العائلات المتوسطة أو الفقيرة فهو وجبة كاملة في الأيام العادية، لكن ما يجمع بينها هو أنه طبق يؤكد أصالة أهل المنطقة.
"خيمة الزفيطي"
"طقوس" طبق "الزفيطي" التقليدي في الجزائر، لا تتوقف فقط على طريقة تحضيره وأكله، بل على الجو المصاحب لتذوقه.
فأينما يذهب الزائر إلى مختلف مدن ومحافظات الجزائر يجد محال تروج للأكل التقليدي تسمى بـ"الخيمة"، وعندما يدخل إليها يجد "الزفيطي" سيد تلك الخيمة.
"خيمة" بكل معنى الكلمة، رغم أن المحل ليس مصنوعا مثل الخيمة، لكن داخله يشبه تماماً الخيمة البدوية، إذ يشعر الزائر وكأنه في خيمة حقيقية تنقله إلى أصالة البدويين.
ويحرص أصحاب تلك المحال على وضع ديكور خاص يتماهى مع تقاليد منطقة بوسعادة، ليشعر بالراحة ويستمتع بأكلة يتفق الجزائريون على أنها لا تقاوم، رغم مذاقها الحار جدا.
ويقوم أصحاب المحال على فرش أرض وجدران المحل بالزرابي الملونة التقليدية المصنوعة بالمنسج والتي تشتهر بها مدينة بوسعادة، مع وضع "قربة" التي يصنع بها الرائب، والمصنوعة عادة من جلد الماعز.
لا يتوقف الأمر عند ذلك فقط، إذ توفر محال صناعة أكلة "الزفيطي" أواني فخارية سواء كإكسسوارات في المحل، أو لاستعمالها في تناول "الزفيطي"، من الملاعق والطبق وكؤوس الرائب.
وتمكنت "خيمات الزفيطي" من منافسة محال الأكل السريع في الجزائر، خصوصاً أن ديكوراتها جذبت الباحثين عن أكل صحي، أو لمن أراد تغيير الأجواء والبحث عن مكان هادئ ومختلف عن بيئته أو البحث عن كل ما هو تقليدي.