الصين استغلت فرصة وقوع أزمة فيروس كورونا وتبنت كبقية دول العالم برنامجا لتحفيز الانتعاش الاقتصادي للإنفاق على العديد من القطاعات.
تركز واشنطن على كبح قدرة بكين على إجراء تحولات هيكلية في اقتصادها قد تؤهلها لتبوأ مكانة محترمة على قمة الاقتصاد العالمي في المدى المنظور، وربما تمكينها من موقع القيادة في الأجل الطويل. ولما كان الطريق المعروف للنهوض الاقتصادي هو الاستناد إلى التحول الهيكلي في الاقتصاد، خاصة من خلال استخدام العلم والتكنولوجيا، فما تخشاه الولايات المتحدة هو إعلان الصين هدف التحول إلى اقتصاد متقدم ومتخصص في إنتاج وتصدير السلع المستندة إلى التكنولوجيا الراقية بحلول عام 2025 والمعروف تحت عنوان "برنامج صنع في الصين 2025".
ووفقا لمعلومات قدمتها وكالة بلومبرج نجد أن الصين قد استغلت فرصة وقوع أزمة فيروس كورونا وتبنت كبقية دول العالم برنامجا لتحفيز الانتعاش الاقتصادي للإنفاق على العديد من القطاعات خاصة البنية الأساسية. لكنها قامت في ذات السياق بتعجيل طموحها نحو قيادة العالم في بعض مجالات التكنولوجيات الراقية الأساسية، حيث تخطط لكي تضخ أكثر من تريليون دولار في اقتصادها في عدة مجالات تمتد من الشبكات اللاسلكية إلى الذكاء الاصطناعي.
وفي الخطة الأساسية التي يدعمها الرئيس الصيني ذاته، من المقدر أن تستثمر الصين نحو 1.4 تريليون دولار على مدى ستة أعوام حتى عام 2025، من خلال دعوة الحكومات المحلية والشركات الخاصة العملاقة في المجال التكنولوجي مثل هواوي لإقامة شبكات الجيل الخامس اللاسلكية، وتركيب كاميرات وأجهزة استشعار، وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي التي ترتكز عليها القيادة الذاتية، والمصانع التي تعمل آليا، والرقابة الجماعية.
ومن المتوقع أن تقود المبادرة الجديدة بصورة أساسية الشركات المحلية العملاقة مثل على بابا وهواوي ومجموعة سينس تايم وذلك على حساب الشركات الأمريكية. ومع تصاعد تأميم التكنولوجيا، سوف تقلل خطة الاستثمار هذه من اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية. وترد في هذه الخطة نفس الأهداف التي تم وضعها سابقا في برنامج صنع في الصين 2025. وقد نالت هذه المبادرة بالفعل نقدا شديدا من إدارة ترامب، وهو ما أدى إلى تحركات للحيلولة دون نهوض شركات الصين التكنولوجية مثل هواوي.
الخطة الأساسية التي يدعمها الرئيس الصيني ذاته، من المقدر أن تستثمر الصين نحو 1.4 تريليون دولار على مدى ستة أعوام حتى عام 2025
وتأتي دفعة الاستثمار التكنولوجي هذه كما ذكرنا كجزء من الحزمة المالية التي تنتظر موافقة المجلس التشريعي الذي انعقد هذا الأسبوع. ومن المتوقع أن تعلن الحكومة تمويلا للبنية الأساسية بقيمة 563 بليون دولار هذا العام، على ضوء خلفية أسوأ أداء اقتصادي للبلد منذ سبعينيات القرن الماضي.
وسوف يكون المقدمون الكبار لخدمات كالحوسبة السحابية وتحليل البيانات مثل على بابا وتنسنت الأعمدة الأساسية للجهد المرتقب في هذا الشأن. وقد كلفت الصين بالفعل شركة هواوي بتكثيف وحفز استخدام تكنولوجيا الجيل الخامس. وإضافة إلى الجهد الحكومي نجد أن شخصيات من قيادات وكبار المستثمرين في مجالات التكنولوجيا الراقية مثل جاك ما وبوني ما تتبنى هذا البرنامج.
ووفقا لمركز تنمية صناعة المعلومات المدعوم من حكومة الصين، فمن المقدر أن تكون خطة إنفاق نحو 10 تريليون يوان (1.4 تريليون دولار) من الآن وحتى عام 2025 شاملة لمجالات تعد من المجالات الرائدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء إلى جانب مجالات مثل خطوط الكهرباء فائقة الجهد والقطارات فائقة السرعة. وقد أعلنت بالفعل نحو 20 مقاطعة من مقاطعات ومناطق الصين الواحدة والثلاثين عن مشروعات في مجال البنية الأساسية تبلغ تكلفتها ما يصل إلى تريليون يوان مع مشاركة نشطة من رأس المال الخاص.
ويضع تقرير مستقل لبنك مورجان ستانلي صدر في شهر مارس الماضي تكلفة مشروعات البنية التحتية الجديدة عند ما يقدر بنحو 180 بليون دولار سنويا خلال الإحدى عشرة سنة المقبلة أي بإجمالي يبلغ نحو 1.98 مليار دولار. ويبلغ هذا الرقم نحو ضعف متوسط الإنفاق الذي تم في هذا الشأن خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وقد دفعت الخطوط العريضة للخطة الأساسية إلى إثارة اهتمام العاملين في مجالات شتى من مشغلي الأقمار الصناعية إلى مقدمي خدمات النطاق العريض.
ويرى البعض أنه من غير المحتمل أن تستفيد شركات الولايات المتحدة من هذا التحفيز لمجالات التكنولوجيا الفائقة، بل وفي بعض الحالات من المحتمل حتى أن تخسر مشروعاتها القائمة. ففي بداية العام الحالي حينما منحت أكبر شركة اتصالات صينية عقودا بنحو 37 مليار يوان في محطات الجيل الخامس، ذهب النصيب الأكبر لهواوي وشركات صينية أخرى.
وقد كسبت شركة إريكسون السويدية ما يزيد بقليل عن 10% فقط من الأعمال في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام. وفي واحد من المشروعات المطروحة، ستساعد شركة الصين الرقمية على جعل مدينة شانج شن في الشمال الشرقي تحل كبديل مزود بتكنولوجيا محلية محل المزودين الأمريكيين الأساسيين بالحوسبة السحابية مثل أي بي إم وأوراكل وإي إم سي.
ومن المقدر أن تقتطع مراكز المعلومات حصة معتبرة من خطة تطوير البنية التحتية. وفي نحو 20 مقاطعة من مقاطعات الصين تم وضع سياسات تشجع على استخدام المؤسسات لتكنولوجيا الحوسبة السحابية، ومن المنتظر أن ينجم عن ذلك تدفق المزيد من الاستثمارات. حيث من القدر أنه مقابل كل دولار سينفق على مراكز المعلومات هناك ما ين 5 إلى 10 دولار ستنفق على القطاعات المتصلة بهذا المجال، والتي تضم على سبيل المثال التشبيك، وشبكات الكهرباء وتصنيع المعدات المتقدمة. أي ستستفيد شركات كثيرة من مقدمي سلاسل الإمداد من مثل هذا الإنفاق.
وفي مقال سابق لنا على موقع العين بعنوان "هواوي ليست الهدف" كنا قد خلصنا إلى خلاصه نراها ما تزال مناسبة وهي أنه "ربما يكون ما تخشاه الولايات المتحدة هو أن إطراد التطور التكنولوجي الصيني ربما يؤدي لاحقا إلى وجود تطبيقات عسكرية لكل ما يتم تطويره في المجال المدني، وهو ما قد يشكل بالفعل خطرا على الأمن القومي الأمريكي. وبهذا المفهوم الواسع يمكن تفهم مسارعة الولايات المتحدة لمحاولة وأد التطور التكنولوجي الصيني، أو محاصرته على أقل تقدير. وذلك بهدف الحد من القدرات الصينية سواء في مجال الابتكار والتوسع في تصنيع وتجارة المنتجات التي تستند إلى التكنولوجية المتقدمة، وهو الهدف المعلن في استراتيجية الصين 2025، ثم في محاولة وقاية نفسها من تطبيقات عسكرية للتكنولوجيا المدنية ترفع من قدرة الصين في إطار التنافس والصراع مع الولايات المتحدة على موقع القيادة في النظام الدولي في زمن لاحق."
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة