بيروت مدينة منكوبة بدقائق وتعيد للأذهان مشاهد "هيروشيما"
محافظ بيروت يقول: ما حدث أشبه بما حدث في هيروشيما وناغازاكي، هذه نكبة ومصيبة على لبنان لا نعرف كيف سنخرج منها، ولكن علينا تمالك أنفسنا.
فيما كانت بيروت تصارع الموت من وباء كورونا والأزمة الاقتصادية، وقع انفجار "رهيب" حولّها في لحظات إلى مدينة منكوبة تبكي نفسها وأهلها، الذين فقدت منهم أكثر من 73 قتيلا و 3 آلاف جريحا.
دموع محافظ بيروت مروان عبود خلال تفقده مكان الانفجار، تلخص حالة المدينة، ووصفه ما حدث بأنه "يشبه ما حصل في اليابان، بهيروشيما وناغازاكي"، يختصر كثيرا من المفردات، ويوضح مدى الكارثة التي حلت بالمدينة التي كانت في يوما ما "عروس الشرق".
وقال محافظ بيروت مروان عبود، بعد إعلانه فقدان 10 من عناصر الإطفاء تابعين لبلدية بيروت، "ما حدث أشبه بما حدث في اليابان في هيروشيما وناغازاكي، هذه نكبة وطنية ومصيبة على لبنان لا نعرف كيف سنخرج منها، ولكن علينا تمالك أنفسنا".
وبدا مرفأ بيروت أشبه بساحة حرب بعد وقوع الانفجار، مستوعبات تحولت إلى ركام، ونيران مشتعلة في باخرة ركاب بالبحر، وهلع في كل مكان.
عند أحد مداخل المرفأ، وقفت شابة عشرينية تصرخ وتسأل عن شقيقها الموظف، فيما كان عناصر الأمن يحاولون ثنيها عن الدخول، قالت والدموع تنهمر من عيونها:" اسمه جاد وعيناه خضراوان اللون".
على بعد أمتار، لم تتمالك سيدة أخرى أعصابها، كاد أن يُغمى عليها وهي تسأل عن شقيقها أيضاً، بينما سيارات الإسعاف تدخل مسرعة ثم تخرج محملة بالضحايا.
داخل حرم المرفأ الذي استحال القسم الأكبر منه دماراً وبدت هنغاراته أشبه بعلب ملتوية تقيأت محتوياتها إلى الخارج، فوضى عارمة وألسنة نيران لم تستكن وسحب دخان ازدادت سواداً، وكانت مروحيات الجيش تحاول إطفاء النار.
في البحر قبالة المرفأ، باخرة تلتهمها ألسنة النيران.
وكان مسعفون يبحثون عن ضحايا بمعاونة رجال أمن، فصرخ أحدهم في وجه الصحافيين قائلاً، "ماذا تصورون؟ الأشلاء في كل مكان؟".
وقال عنصر أمني آخر "هناك أشلاء على الأرض وعمليات انتشال الجثث لا تزال مستمرة"، ومنعت القوى الأمنية الصحافيين من الاقتراب.
في مكان قريب من موقع الانفجار، بقيت حقائب سفر مبعثرة على الأرض، نظارة طبية مرمية هنا، وحذاء هناك، قرب الركام، جثة مرمية على الأرض، وبجانبها حقيبة".
وعلى بعد أمتار ، كان رجال أمن يعملون على نقل قتيل من رفاقهم، يبكي أحدهم ويظهر آخر على هاتفه صورة لرفيقه في يوم زواجه.
وفي الجوار، سيارات جديدة مستوردة من الخارج تقف خلف بعضها البعض في صفوف متراصة، لم تسلم أي منها، أجهزة إنذار بعضها لا تتوقف وتمتزج مع صفير سيارات الإسعاف.
انتشر رجال الإطفاء بالمئات في المكان، وبدوا منهكين، بعضهم يبحث عن زملاء لهم كانوا يعملون على إطفاء حريق اندلع قبل دوي الانفجار، على ما يقول أحدهم فيما لم تتوقف سيارات الإسعاف عن نقل الضحايا على مدى ساعات.
بين المصابين عمال سوريون ومصريون كانوا وصلوا إلى المرفأ اليوم على متن باخرة أوكرانية تنقل قمحاً لسوريا، وقال أحدهم، وهو سوري، من دون أن يفصح عن اسمه "منذ ستة أشهر كنا ننتظر لحظة عودتنا إلى سوريا.. نحن 13 شاباً. أصيب سبعة منا ونجونا نحن الثلاثة".
وقال عامل مصري بأسى "كنت أنوي السفر غدا إلى بلدي، لكنني لن أتمكن من ذلك. لا اعرف ماذا افعل".
وروى أحد أفراد طاقم الباخرة "ننتظر منذ الظهر هنا. سمعنا أصوات مفرقعات ورأينا دخانا يخرج من مستودع. سألنا أحدهم قال إنه مستودع، وبعدها بدقائق حصل الانفجار".
على الطرق المؤدية إلى المرفأ، وفي محيطه، زجاج متناثر في كل مكان.
وقالت مدرسة متقاعدة تقيم في منطقة المرفأ:" كان الانفجار أشبه بقنبلة ذرية.. لم أشهد في حياتي مثل هذا. كل الأبنية من حولنا انهارت.. أنا أسير وسط الزجاج والركام في كل مكان".
وأثار الانفجار وصلت لكافة أحياء بيروت حيث سجل أضرار مادية جسيمة، لم يبق من زجاج المباني شيئا، كلها سوّي في الأرض، وأصيب نتيجتها مئات الأشخاص، بينهم صحافيون في جريدة النهار.
من جهته، قال أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة إنّ "الدخان الذي ظهر من احتراق نترات الأمونيوم من شأنه أن يلوّث الهواء بشكل كبير ويؤثر على الصحة العامة ولا سيما ممن يعانون من صعوبات في التنفس أو الربو".
واذا كانت مستشفيات لبنان تنذر بأزمة نتيجة الأزمات الاقتصادية وتحمّلها أعباء وباء كورونا، فهي اليوم لم تسلم من الأضرار، واطلق أصحابها صرخات استغاثتهم، غير قادرين على استيعاب أعداد المصابين الذي وصل عددهم لـ 3 آلاف فيما سجل سقوط 73 قتيلا.
واذا كان الجرحى وجدوا من ينقلهم إلى المستشفيات، فهناك عائلات كانت تبحث أمام مداخلها عن أحبائها وأولادها الذي لا يزالون مفقودين، مع ترجيحات بزيادة عدد الضحايا، مع صباح يوم غد حيث ستتكشف حقيقة ما عاشته بيروت لساعات ستبقى راسخة في الذاكرة لعقود.
aXA6IDE4LjIyNi4yNDguODgg جزيرة ام اند امز