"فاجعة بيروت".. ناجون بأعجوبة ومصير مجهول لآخرين
صورة جاد صوايا ومولوده نبيل ستبقى شاهداً على الكابوس الذي ضرب بيروت في ذلك اليوم الحزين.
مشهد بيروت الجريحة اختصرته عدة صور طُبعت في ذاكرة اللبنانيين لانفجار المرفأ الرهيب، منها والد يحمل مولوده بين أحضانه والدماء غطتهما، والطفلة التي خرجت من بين الأنقاض حيّة بعد ساعات طويلة على طمرها تحت الركام، وكذلك عنصر الدفاع المدني الذي نجا بأعجوبة، وغيرها الكثير.
صورة جاد صوايا ومولوده نبيل ستبقى شاهداً على الكابوس الذي ضرب بيروت في ذلك اليوم الحزين، فنظرة الوالد إلى ابنه الذي كان يحتضنه أثّرت في نفوس الكثيرين.
إلى مستشفى الروم في الأشرفية القريبة من موقع الانفجار، توجه جاد وكريستال من أجل اللحظة التي انتظراها 9 أشهر، وبعد أن وضعت كريستال مولودها وخرجت إلى الغرفة بربع ساعة حلّت الكارثة.
وقال جاد لـ"العين الإخبارية": "كانت الفرحة لا تسعنا عندما خرجت كريستال بخير من غرفة العمليات، وحين دوى الانفجار كنت وإياها وصغيري نبيل إضافة إلى ممرضة داخل الغرفة، وإذ بالمصيبة تقع، تحطم زجاج المستشفى وتطاير علينا".
وأضاف: "نبيل كان في سريره إلى جانب سرير والدته، أما أنا فكنت أقف محاولاً الاستدارة، لذلك أُصبت بجروح ورضوض في رأسي ورقبتي، كما أصيبت كريستال في رأسها وجبينها، أما نبيل فالعناية الإلهية أنقذته وحالت دون إصابته بأي جرح".
لم يستوعب جاد ما حصل في البداية، وقال: "نظرت لأجد كل شيء محطماً في الغرفة، لوح الزجاج وقع على كريستال والزجاج المتطاير أصاب سرير الصغير، سارعت وحملته للاطمئنان عليه، حاولت مساعدة زوجتي، وبدأت أبحث عن مكان آمن للاختباء خوفاً من وقوع انفجار آخر".
وتابع: "كنا في الطابق الخامس، ما يعني أنه كان علينا النزول كل هذه المسافة وسط الدمار والحطام على أمل النجاة".
واستطرد جاد بقوله: "حملت نبيل فيما ساعد رجل غريب زوجتي، كان في زيارته إلى شقيقته المريضة"، ووصف مشهد المستشفى في ذلك اليوم بـ"المرعب" دماء ودمار في كل مكان، ومع ذلك حرص الناس على مساعدة بعضهم البعض.
وعمّن التقط الصور لهم في تلك اللحظة، أجاب: "أنا التقطت صورة لكريستال، وهي التقطت صورة لي ولنبيل، وذلك لإرسالها إلى مجموعة العائلة على واتساب، كي يطمئنوا علينا، لم أتوقع تسريبها وحصولها على كل هذه الضجة".
وأضاف: "أحمد الله أننا خرجنا بخير من المستشفى على الرغم من الجروح التي تركت بصماتها علينا، كتب الله لنا عمراً جديداً، وستبقى مشاهد الرعب في ذاكرتي وكريستال ما حيينا، فما رأيناه من رعب وألم لا يمكن أن يمحى مع مرور السنين".
وتابع جاد: "أريد أن أشكر الشخص الذي ساعدنا، فلم يتسن لي معرفة اسمه، وكذلك كل الأطباء والمرضى الذين اتصلوا بنا للاطمئنان عن صحتنا"، وعلّق على ما حدث: "لم أتخيل أن أقف عاجزاً في أول ربع ساعة من حياة ابني".
وتعتبر مستشفى الروم أحد أكثر المستشفيات التي تضررت لوجودها في منطقة قريبة من الانفجار، فقد خسرت 4 ممرضات و9 مرضى، كما أدى حجم الدمار إلى خروج المستشفى عن الخدمة، ما اضطر إدارتها إلى إرسال المرضى لتلقي العلاج في أماكن أخرى.
ونجاة جاد وكريستال ونبيل من الكارثة تشبه حكايات لأشخاص كثيرين تنطبق عليهم مقولة: "كُتب لهم عمر جديد"، وفي ما يشبه المعجزة، تمّ انتشال عنصر من الدفاع المدني يدعى عصام شمص من تحت الأنقاض في اليوم التالي للانفجار وهو لا يزال على قيد الحياة.
وكانت الفرحة ظاهرة على وجوه المواطنين والدفاع المدني بخروجه حياً، حيث بدأ مواطنون بالصراخ "وحش يا عصام".
وفي قصة مشابهة تم تداول مقطع فيديو لطفلة تحت أنقاض أحد المباني المنهارة على قيد الحياة، تم إنقاذها بعد مرور 25 ساعة على الانفجار، حيث كان عناصر الإنقاذ يطلبون منها إغلاق عينيها كي لا يدخلها التراب أثناء سحبها من بين الركام.
وبعدما كُتب لهؤلاء النجاة، فإن عائلة جو أندون، وهو موظف في إهراءات القمح بمرفأ بيروت، الذي أرسل صور الحريق الذي نشب قبل الانفجار لزوجته، تأمل أن يكون لا يزال على قيد الحياة.
إذ تمكن جو -بحسب ما قالت زوجته- من فتح خط هاتفه منتصف ليل يوم الانفجار عند الاتصال به وذلك لمدة لا تتجاوز العشرين ثانية، ليعود بعدها ويُفقد أي اتصال به.
وكان جو قبيل الانفجار يصور الحريق الذي شبّ في العنبر رقم 12، وبعث عدداً من الفيديوهات للحادثة، آخرها لزوجته قبل دقيقتين من الانفجار.
هي قصص من الآف القصص التي يعيشها اللبنانيون، العناية الإلهية أنقذت الكثيرين، في حين أن أكثر من 100 عائلة خسرت ذويها، وما يفوق الـ5 آلاف عائلة تنتظر شفاء أبنائها، وتبقى عائلات تنتظر خبراً واحداً يطمئنها على مفقوديها الذين اختفوا إثر أحد أكبر الانفجارات في العالم.