سعد الحريري.. استقالة "لأجل لبنان"
على وقع احتجاجات مستمرة لليوم الثالث عشر، لم يجد رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بديلا عن الاستقالة لعودة الهدوء للشارع
على وقع احتجاجات مستمرة لليوم الثالث عشر على التوالي، لم يجد رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بديلا عن الاستقالة لعودة الهدوء للشارع واستقرار الأوضاع.
ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لم يختلف مشهد الشارع اللبناني المنتفض على السلطة حيث تشهد غالبية الطرق الرئيسية شللا تاما، فضلا عن مناوشات بين الحين والآخر بين قوى الأمن والمتظاهرين وتارة من قبل عناصر مليشيا حزب الله ضد المشاركين بالاحتجاجات التي نادت بتقليص نفوذ المليشيا التابعة لإيران وتوحيد الجيش اللبناني.
ولم تشفع خطابات القادة اللبنانيين ومبادراتهم الإنقاذية في تهدئة المتظاهرين بالميادين، بل زادت حدة المظاهرات وسط التأكيد على غياب الثقة بالتركيبة السياسية.
الورقة الإصلاحية للحريري التي أعلن خلالها إقرار موازنة 2020 بدون أي ضرائب إضافية، ودعمه إجراء انتخابات مبكرة بدت مقنعة لولا توقيتها المتأخر، وفق مراقبين ممن رأوا أن سقف مطالب المحتجين تجاوز مجرد الغضب على الحكومة لتضمينها ضرائب جديدة في موازنة العام المقبل، إلى غليان ينادي بإسقاط الطبقة الحاكمة بشكل عام، التي يهيمن عليها حزب الله وحلفاؤه.
فلم تلق الكلمة قبولا لدى المحتجين بالميادين الذين واصلوا مظاهراتهم وطالبوا بـ"تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة من اختصاصيين مستقلين لا ينتمون للمنظومة الحاكمة"، على أن تتبنى الخطوات التالية "إجراء انتخابات نيابية مبكرة بناء على قانون انتخابي عادل يضمن صحة التمثيل، وإدارة الأزمة الاقتصادية وإقرار نظام ضريبي عادل".
ومع ضبابية المشهد وعدم نجاح المبادرة الإصلاحية التي طرحها الحريري، شرعت السلطة في استخدام خطط بديلة وتسريبها وبينها الإعلان عن تعديل وزاري إلا أنها أيضا لم تجد ترحيبا من المتظاهرين الذين يربطون المشكلة بالمنظومة السياسية بأكملها وليس باسم شخص أو وزير.
قبل أن يعلن الحريري اليوم استقالته التي أكد خلالها أن الأمور "وصلت لطريق مسدود ولابد من إحداث صدمة إيجابية، لذلك فأنا ذاهب إلى قصر بعبدا (مقر الرئاسة) لتقديم استقالة الحكومة للرئيس ميشال عون".
أبرز خصوم حزب الله
ومجبرا غير مخير، دخل الحريري معترك الحياة السياسية في بلاده عقب اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري بتفجير استهدف موكبه ببيروت يوم 14 فبراير/شباط 2005، ليصبح أحد مقاومي مشروع إيران الاحتلالي للبنان عبر ذراعها مليشيات "حزب الله".
سعد الحريري أو "الشيخ سعد" كما يسميه أنصاره، ولد في السعودية عام 1970، ويتولى رئاسة تيار المستقبل، الذي كلفه الرئيس اللبناني ميشال عون بتشكيل الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2016، بعد شهور طويلة من أزمة الفراغ الرئاسي التي عاشتها البلاد.
يعد "الحريري" أحد أبرز المدافعين عن "الدور السعودي في استقرار لبنان"، وأيضا أحد أبرز خصوم حزب الله الذي يحمله مسؤولية الضلوع في التفجير الذي أودى بحياة والده، الذي اغتيل في تفجير وسط العاصمة بيروت في 14 فبراير/شباط 2005.
دخل سعد الحريري إلى السياسة بعد اغتيال والده، حيث ورثه سياسيا وشكّل ما يعرف باسم تحالف 14 آذار مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس التنفيذي للقوات اللبنانية سمير جعجع، وهو التحالف الذي قاد إلى ما عرف باسم ثورة الأرز التي كان من نتائجها خروج الجيش السوري من لبنان.
تلا ذلك انتخابه نائبا في البرلمان لدورة عام 2005 عن مقعد السنة في دائرة بيروت الأولى، والذي كان يشغله والده في الدورات السابقة، واستطاع أن يحصل على أكبر كتلة نيابية في هذه الدورة.
أعيد انتخابه لدورة البرلمان لعام 2009 على المقعد المخصص للسنة بدائرة بيروت الثالثة، واستطاع مع حلفائه في تحالف 14 آذار الحصول على الأكثرية النيابية لدورة نيابية جديدة.
3 حكومات
في 27 يونيو/حزيران 2009، كلفه الرئيس ميشال سليمان بتشكيل الحكومة الجديدة الأولى له التي تلت الانتخابات، وذلك بعد الاستشارات النيابية وتسميته من قبل 86 نائبا يمثلون نواب تحالف 14 آذار الـ71 ونواب حركة أمل وحزب الطاشناق.
وفي 7 سبتمبر/أيلول وبعد شهرين ونصف من تكليفه بتشكيل الحكومة قدّم إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان تصورا لتشكيل الحكومة إلا أن المعارضة رفضت هذه التشكيلة.
وفي 10 سبتمبر/أيلول أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية اعتذاره عن تشكيل الحكومة.
وفي 16 سبتمبر/أيلول أعاد رئيس الجمهورية بتكليفه لتشكيل الحكومة بعد أن أعاد أكثرية نواب مجلس النواب تسميته لرئاسة الحكومة بالاستشارات النيابية، حيث سماه نواب تحالف 14 آذار الـ71 ونائبو حزب الطاشناق وحصل بذلك على 73 صوتا، وبعد حوارات ومناقشات ومفاوضات شاقة استطاع أن يعلن تشكيل حكومته الأولى بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2009.
واجهت حكومته صعوبات عديدة خصوصا بعدما بدأ يقترب صدور القرار الظني بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإصرار وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر على طرح موضوع شهود الزور بالقضية وطلب إحالتهم للمجلس العدلي.
أدى كل ذلك إلى إعلان وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله في 12 يناير/كانون الثاني 2011 استقالتهم من الحكومة، وذلك بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري الأب إلى طريق مسدود مع رفضه لعقد جلسة لمناقشة القضية.
وبعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية قامَ الأخيرُ بتكليفِ الحريري رسميا برئاسَة الحكومة، وذلكَ في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016, ونال الحريري 110 أصوات من نواب البرلمان البالغ عددهم 126 بعد استقالة أحدِ النواب، وشكّل حكومته الثانية بعد 40 يوما من التكليف.
وبشكل مفاجئ، قدم استقالته من الرياض في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 مهاجما مليشيا حزب الله، مؤكدا أن إيران لم تضع يدها في أي مكان في الوطن العربي إلا وحل فيه الخراب والدمار قبل أن يتراجع عن استقالته في 22 من الشهر نفسه عقب وساطات عديدة.
وفي مايو/أيار 2018، انتخب الحريري نائباً مجدداً للمرة الثالثة لكنه فقد الأغلبية البرلمانية بحصوله على 21 (من أصل 128 هم إجمالي عدد مقاعد المجلس).
وفي ذات الشهر، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون الحريري بتشكيل حكومة جديدة بعد استشارات برلمانية نال فيها الحريري تأييد 111 نائبا من أصل 128 إجمالي أعضاء مجلس النواب (البرلمان).
وعقب تسعة أشهر من إجراء الانتخابات، تمكن الحريري نهاية يناير/كانون الثاني الماضي من تشكيل الحكومة في أعقاب اتفاق الأحزاب السياسية المتنافسة على التشكيلة الوزارية التي غلب عليها تابعون لحزب الله.
إلا أن الحكومة الجديدة لم تستطع الصمود أمام درجة الغليان التي بلغها الغضب الشعبي من تردي الأوضاع، ومن المسار الذي تصنعه المليشيات الإيرانية للبنانيين.