الكم الهائل من التسريبات غير الدقيقة التي تورطت بها بعض وسائل الإعلام المعروفة بدسها السم في العسل كان كارثيا
من حق وسائل الإعلام العربية والعالمية أن تبحث عن الحقيقة، وتدافع عن حرية الصحافة وسلامة الصحفيين في كل بقاع العالم دون تمييز، وتلك مهمة سامية وإنسانية مشرفة. لكن ليس من الإنسانية ولا المهنية أن تمارس وسائل بشعة ومروعة في استغلال مقتلهم أو اختفائهم، كما شاهدنا في حادث الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
قد هالني أن أطلع على تغريدة سابقة له يرثي فيها أكبر زعيم إرهابي في العالم وهو أسامة بن لادن بعد مقتله.. فخاشقجي كتب وقتها يقول: "انهرت قبل قليل باكيا عليك حسرة يا أبا عبدالله.. كنت جميلا شجاعاً في تلك الأيام الجميلة في أفغانستان قبل أن تستسلم للغضب والهوى"
الكم الهائل من التسريبات غير الدقيقة التي تورطت بها بعض وسائل الإعلام المعروفة بدسها السم في العسل كان كارثيا، حيث يوحي ظاهرها بحصرها على سلامة الصحفيين وحرية الإعلام، ويكشف باطنها عن بشاعة بعض مطابخ الأخبار في تلك القنوات والصحف، حيث لاحظنا أنها تلذذت في وصف طريقة القتل المزعومة دون مراعاة لمشاعر عائلته التي ما زالت تنتظر نتائج التحقيقات الرسمية!
تخيل أنك تستمع إلى نشرة "الجزيرة" وهي تصف كيف يقطع جسد والدك أو أخيك بهذه البشاعة، وتكللها بوصف القتلة بأنهم كانوا يستمتعون بسماع الموسيقى لحظة تقطيع جسد الضحية، وما إلى ذلك من أقاويل مرعبة صيغت بعبارات مسمومة!
قوانين الإعلام في الغرب أغلبها تحظر نشر صور القتل والدماء احتراماً لكرامة الإنسان ومراعاة لمشاعر الناس التي تقرأ أو تشاهد الحدث، لكن في قضية خاشقجي كانت بعض وسائل الإعلام تتلذذ في وصف بشاعة الجريمة المزعومة بطريقة مدهشة قد لا تستطيع وصفها التسجيلات المفترضة بقدر ما تمكن كاتبو هذه التقارير من رسم سيناريو هوليوودي مرعب يكشف عن سادية مهولة لكتّابها.
بالمقابل، أرهقت وسائل الإعلام ذاتها في الترويج إلى أن خاشقجي كاتب سعودي ليبرالي متحرر كان يسعى إلى نشر الديمقراطية في البلاد العربية، وقد هالني أن أطلع على تغريدة سابقة له يرثي فيها أكبر زعيم إرهابي في العالم وهو أسامة بن لادن بعد مقتله، فخاشقجي كتب وقتها يقول: "انهرت قبل قليل باكياً عليك حسرة يا أبا عبدالله.. كنت جميلا شجاعاً في تلك الأيام الجميلة في أفغانستان قبل أن تستسلم للغضب والهوى".. مع التأكيد أن الجميع يعرف أن الرجل كان "إسلاموياً"، مقرباً من أسامة بن لادن والتقاه في أفغانستان وأماكن أخرى في العالم، عندما كان العالم يبحث عنه! وكان مقرباً من تنظيم الإخوان المسلمين وغيره من التنظيمات التي ترفع شعارات متطرفة يرفضها العالم الديمقراطي الحر. وهو ما يجعلني أطرح تساؤلات أمام الإعلام الغربي الذي يخطئ "بدراية أو جهل" عندما يطلق على الصحفي المختفي لقب "الصحفي الليبرالي".
من واجبنا -باعتبارنا صحفيين- أن نبحث عن الحقيقة كاملة، لا أن نأخذ جانباً منها لإسقاط توجهاتنا السياسية، ولذلك فمن نافلة القول إنّ المطالبة بالكشف عن حقيقة ما جرى لخاشقجي لا يعطي صك الغفران للرجل وتحويله من كاتب "إسلاموي" كان مقربا من التنظيمات الإرهابية إلى كاتب "ليبرالي" مناصر للحريات في العالم!
ويكفي أن نذكّر بأن شعور من يتألمون من أجل خاشقجي أو (يدّعون ذلك)، لا يختلفون كثيراً عن شعور ضحايا أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين الذين ارتكبوا جرائم إرهابية لم يشهد لها العالم مثيلاً، بينما كان خاشقجي مسانداً لهم!
شخصياً، لا أحب القتل، وأرفضه تماماً، دون تمييز أو تفضيل لهذا الدم أو ذاك، وعلينا أن نبحث عن الحقيقة لمعرفة الجاني بعيداً عن أهل التسريبات الذين بات واضحاً أنهم يسعون لتصفية حساباتهم مع السعودية كدولة، فيما يخص الإعلام العربي، وتصفية الحسابات مع ترامب فيما يخص الإعلام الأمريكي المتناغم مع "الجزيرة" و"الصباح" التركية، خاصة أن من يتبنى نشر التسريبات في الإعلام الأمريكي الصحف المعروفة بتوجهاتها ضد ترامب منذ توليه الرئاسة الأمريكية.. بعيداً عن تحويل الصحفي المختفي من كاتب "إسلاموي" إلى كاتب "ليبرالي" لكسب تعاطف المجتمع الغربي معه!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة