احذروا ألعاب الفيديو.. تخلق أجيالا تعاني الوحدة والغضب
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ترصد تأثير وسائل التكنولوجيا الحديثة على الأطفال، وعلاقاتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم بعائلاتهم
الساعة الحادية عشر مساء ليلة شديدة البرودة.. أضواء المنزل منطفئة إلا من نور خفيض يساعد من يتحرك لقضاء حاجة له ألا يتعثر في مشيه، تدخل الأم غرفة طفلها "بايرن"، لتجده مستغرقا في اللعب على اللاب توب الخاص به إحدى ألعاب الفيديو التي تدور أجواؤها في عالم العصابات والمافيا والأسلحة وسيارات السباق السريعة.. بهدوء تتوجه الأم إلى طفلها وتطلب منه أن يتوقف عن اللعب ويغلق جهاز الكمبيوتر؛ فلا تتلقى أي رد.. تكرر الطلب مرة أخرى؛ فيرفع الطفل رأسه إليها موجهاً عينيه إليها بنظرة صامتة بدت للأم وكأنه قادم من عالم آخر.
تعود فتكرر الطلب مرة أخرى، مضيفة أنه يجب عليه إغلاق هذه اللعبة الآن؛ ليأتيها الرد هذه المرة، وكان رداً بليغاً؛ حيث رفع بايرن إحدى يديه عن جهاز الكمبيوتر موجهاً إياها بشكل إلى كوب ماء كان بجواره ثم قذف به إلى الحائط بجوار والدته ليسقط الكوب، محدثاً بصوت تكسيره إزعاجاً كافياً لإيقاظ كل نائم.. لم تشعر الأم بالغضب أو الخوف من رد فعل ابنها، حيث اعتادته هي وباقي العائلة منذ أن بدأ بايرن ينسحب من عالم الواقع إلى العالم الافتراضي الذي تخلقه له ألعاب الحرب والجريمة على حاسبه المحمول".
هذا المشهد واقعي؛ فهو ليس جزءا من فيلم هوليوودي، وإنما هو جانب من معاناة يومية تعيشها الكثير من العائلات حول العالم، بهذا المشهد بدأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الحلقة الثانية من سلسلة "أطفال عصر الشاشة" التي ترصد خلالها تأثير وسائل التكنولوجيا الحديثة على الأطفال، وعلاقاتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم بعائلاتهم.
وتعود الصحيفة إلى والدة الطفل بايرن التي قالت بصوت يحمل الكثير من المرارة والقلق والحزن: "سعيت جاهدة مع والد بايرن وإخوته لجذبه مرة أخرى إلى عالمنا الواقعي، ذهبنا به إلى الكثير من الأخصائيين في علم السلوك وعلم الاجتماع، وآخرين متخصصين في الطب النفسي، ولكن في كل مرة كان ينتهي اللقاء بشيء متحطم، فآثار التدمير على حوائط المنزل ترسم لي طوال الوقت صورة مرعبة لما يمكن أن يحدث لطفلي".
وأوضحت الصحيفة أن ألعاب الفيديو ليست أمراً جديداً على العالم الذي عرفها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكن أزمة اليوم أو القرن الحالي هو التطور الذي جرى على هذه الألعاب من مؤثرات صوتية وخدع بصرية وألوان مبهرة، جعلت من هذه الألعاب هدفاً لانتقادات حادة من الجميع، العائلات والخبراء في مجالات النفس والاجتماع والاقتصاد؛ حيث لم يتوقف التأثير السلبي لهذه الألعاب على الأطفال في تعليمهم، ولكن على كامل مستقبلهم في العمل والاندماج في الحياة الواقعية.
كما تحدثت الصحيفة إلى العائلات، وتوجهت إلى الخبراء؛ حيث قالت كيم مكدانيل، الاختصاصية في تدريب الآباء على مواجهة "القهر الإلكتروني لأطفالهم": "مهما كانت الأسباب وراء هذا التعلق غير الصحي بأجهزة التكنولوجيا الحديثة، فإن هناك عاملاً مشتركاً؛ هو أن لدينا الآن أكثر الأجيال من الشباب والأطفال الذين يعانون من وحدة اختيارية، مفضلين الأجهزة عن التعامل مع المجتمع".