أحدث حلقات الفشل والتخبط الذي يعانيه النظام الإيراني بعد أربعة عقود من ثورته يتمثل في السعي لاستدانة 5 مليارات دولار من الخارج
لم يكن غريباً هذا الضجيج الإعلامي والسياسي والعسكري الذي صاحب احتفالات النظام الإيراني بأربعينية ثورة الخميني عام 1979، حيث شهدت احتفالات هذا العام كماً هائلاً ولافتاً من التصريحات والتهديدات والاستعراضات العسكرية، ولكن اللافت أن أي من المسؤولين الإيرانيين لم يتحدث في هذه الذكرى عن أي إنجاز تنموي أو اقتصادي، بل اختزلت الاحتفالات كلها واقتصرت على شعارات فارغة حول القدرات العسكرية المزعومة لإيران.
يلجأ النظام الإيراني كعادته إلى تصدير الأزمة وصرف الأنظار عن مشاكل الداخل بتصعيد الصراع مع الخارج، ومن هنا يمكن فهم إصرار قادة الحرس الثوري في تصريحاتهم في ذكرى الثورة على المضي في النهج التوسعي وإشادتهم بدور حزب الله اللبناني ومليشيا الحوثي
اعتادت الشعوب في احتفالات كهذه أن تستمع إلى جردة حساب للمنجزات وحصاد السنوات؛ حيث يفترض أن أي تحول سياسي في تاريخ الشعوب يأتي بقدر يقل أو يزيد من الإنجازات التنموية، ولكن وحده النظام الإيراني الذي يتحدث لشعبه، ليل نهار، عن الصواريخ والقدرات النووية والحروب والصراعات والتوسعات الاستعمارية التي تنفذها مليشياته ووكلاؤه في دول عدة.
بعد مرور أربعة عقود على ثورة الخميني تحولت إيران إلى دولة معزولة دولياً وإقليمياً، واقتصاد منهك للغاية، بسبب سياسات النظام الذي يعتمد أجندة معادية للعالم، ويطمح إلى بناء إمبراطورية استعمارية طائفية، فالنظام الإيراني يخوض حرباً مباشرة باهظة التكاليف في سوريا، ويزود مليشيا الحوثي اليمنية بالأسلحة والعتاد والأموال كي يستمر ولاؤها له، كما يمول حزب الله اللبناني بالأموال والأسلحة، وهذا الحال ينطبق على علاقته بالكثير من تنظيمات الإرهاب وحركاته في الشرق الأوسط، ثم يلقي النظام بكل المسؤولية وكاملها على العقوبات الأمريكية ومن يسميهم بالأعداء!
الحقيقة.. أن هذا النظام هو العدو الحقيقي للشعب الإيراني، فتدهور الأوضاع المعيشية قد يكون له علاقة ما بالعقوبات، ولكن لا يجب أن يتغافل أحد عن أن المظاهرات والاحتجاجات التي عمت إيران العام الماضي سبقت العقوبات الأخيرة، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب إعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، فالأوضاع المتدهورة للاقتصاد الإيراني تعود لأسباب عدة مثل الفساد المستشري وارتفاع معدلات التضخم وسوء إدارة الاقتصاد، بدليل أنه تم تغيير الفريق الاقتصادي بأكمله عقب اندلاع الاحتجاجات، ولم يلمس الشعب الإيراني أي أثر لرفع العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي، ولم يحدث أي نمو فعلي للاقتصاد.
تكمن الإشكالية في أولويات قادة هذا النظام، وهي أولويات ثورية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالأحوال المعيشية لعشرات الملايين من الإيرانيين، ويكفي نفوذ الحرس الثوري وتدخلاته في الاقتصاد، حيث يحتكر مجمل الأنشطة التجارية والاقتصادية، ويوجه عوائدها إلى مخططاته في دول عربية مختلفة.
وسط هذه الأوضاع المتردية خرج قادة الحرس الثوري يزفون للشعب الإيراني والعالم أنباء تجربة صاروخية على صاروخ باليستي جديد، يصل مداه لنحو 1350 كم! وغواصة مزودة بصواريخ كروز، طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني ضمها "فوراً" إلى القوات البحرية حسب التقارير الإخبارية، وقالت عنها وكالات الأنباء إن إيران تعتمد عليها في تنفيذ خطط محتملة لإغلاق مضيق هرمز!!
قال الرئيس روحاني في تصريح له "لقد أدت عقوبات عدونا على إيران إلى تحفيز تقدمنا، لذا نأمر بانضمام الغواصة فاتح إلى القوة البحرية الإيرانية ابتداء من هذه اللحظة"، أليس غريباً أن تفلح العقوبات في تعزيز القدرات العسكرية فقط؟ ألم يكن من الأولى توجيه أي قدرات ذاتية للشعب الإيراني إلى بناء الاقتصاد الوطني بدلاً من توجيه ما تبقى من موارد هزيلة نحو امتلاك ترسانة عسكرية!
لا أحد يجادل في حق الدول في التسلح وامتلاك القدرات التي ترتأيها، باعتبار ذلك أحد مظاهر السيادة واستقلال القرار الوطني، ولكن من قال إن هناك سيادة من الأساس في ظل سياسات التجويع الممنهج للشعب الإيراني!
أحدث حلقات الفشل والتخبط الذي يعانيه النظام الإيراني بعد أربعة عقود من ثورته يتمثل في السعي لاستدانة 5 مليارات دولار من الخارج لدعم الموازنة، بعد بروز مؤشرات على دخول البلاد مرحلة الخطر حسب التقارير الصحفية الإيرانية، وهو ما عبرت عنه صحيفة "جهان صنعت"، قائلة إن "التيارات السياسية في إيران لا تمتلك عملياً أي فكرة للخروج من هذه الأوضاع المتدهورة"، فيما قالت صحيفة مردم سالاري إن "اعتياد المصائب بات أكبر مصيبة يعانيها المجتمع الإيراني اليوم!".
في خضم هذه الأخطار، يلجأ النظام الإيراني كعادته إلى تصدير الأزمة وصرف الأنظار عن مشاكل الداخل بتصعيد الصراع مع الخارج، ومن هنا يمكن فهم إصرار قادة الحرس الثوري في تصريحاتهم في ذكرى الثورة على المضي في النهج التوسعي وإشادتهم بدور حزب الله اللبناني ومليشيا الحوثي، وتحريضهما على مواصلة نهجهما في لبنان واليمن! فهم ببساطة يريدون إشعال حريق جديد، أو يلقون بالزيت على حرائق قائمة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة