الأكيد أن بايدن لا يعتزم أن يقدم خدمات مجانية لإيران كما يصوّر ذلك إعلام محور الشر، ولن يغض الطرف عن تهديدات ميليشياتها.
أظهرت أرقام الانتخابات الأمريكية فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن برئاسة أمريكا، وإن كان إعلان فوز بايدن بالرئاسة ليس رسمياً حتى الآن؛ حيث لا يزال الرئيس ترامب يصرّ على اللجوء إلى المحكمة العليا والطعن في نزاهة الانتخابات، وعموماً سننتظر ونرى ما تشهده أمريكا من تطورات منذ الآن حتى يناير القادم موعد تسليم السلطة إلى الرئيس الجديد.
في كل الأحوال ينشغل العالم من الآن في محاولة توقع أي نوع من السياسات الخارجية سوف يتبعها بايدن، وفي أي اتجاه وماذا سيفعل، وأكثر من يعنيهم هذا الأمر وينشغلون به أعداء أمريكا وحلفاؤها على حد سواء، وبالنسبة لنا في دول الخليج فإن القضية التي تمثل أكبر دواعي القلق هي موقف بايدن من إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة.
المعروف أن بايدن وحزبه الديمقراطي كانوا قد شنوا هجوماً عنيفاً على الرئيس ترامب طوال السنوات الماضية من حكمه، واعتبروا أن انسحابه من الاتفاق النووي خطوة كارثية، ولذلك يسود اعتقاد خاطئ مفاده أن الرئيس بايدن سينتهج تجاه إيران سياسة تتناقض مع سياسة الرئيس ترامب، وأن طهران والمليشيات المتحالفة معها في المنطقة ستنتعش كثيراً بحلول بايدن مكان ترامب في البيت الأبيض.
الحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة، فعلى الرغم من أن بايدن أعلن سابقاً أنه سيعود للانضمام إلى الاتفاق النووي، إلا أنه أقر في مقال رأي نشره في سبتمبر الماضي أن الاتفاق يحتاج إلى تعديلات، كما أكد أنه لا يؤيد رفع كل العقوبات. وذلك يعني أنه حتى لو قرّر بايدن فعلاً العودة إلى الاتفاق النووي فإن هذا لا يمكن أن يتم إلا في إطار مفاوضات جديدة مع إيران للتوصل إلى اتفاق على ضوء المستجدات والتطورات الخطيرة التي شهدتها السنوات الماضية، وأن هذه المفاوضات لا بد أن تتناول قضايا أخرى غير قضية الاتفاق النووي تتعلق بدور إيران التخريبي في المنطقة وصواريخها الباليستية. وأيضاً يتضح لنا أن بايدن قد يخفف بعض العقوبات من قبيل "خفض التوتر"، ولكنه لن يتجاهل دور العقوبات القاسية التي فرضها ترامب على إيران في الحد من قدرتها على دعم المليشيات والقوى الإرهابية في المنطقة.
وقد لا يعود بايدن للاتفاق النووي نهائياً بسبب عناد طهران وتزمّتها، فهي تطالب الآن برفع العقوبات فوراً ودفع تعويضات لها قبل إجراء أي مفاوضات معها. وما يعزّز هذا الاحتمال هو أن الرئيس الإيراني القادم بحسب استطلاعات الرأي سيكون من قلب المعسكر الأشد أصولية في الدائرة الضيقة المحيطة بخامنئي، وربما يكون عسكرياً استعداداً لإدارة معارك قائمة وقادمة مع واشنطن. ما يعني أن مساحة الحركة التي يمكن أن يناور أو يحاور فيها بايدن ستكون ضيقة مما يجعل مهمة التفاوض بين الطرفين والعودة للاتفاق النووي صعبة جداً.
الأكيد أن بايدن لا يعتزم أن يقدم خدمات مجانية لإيران كما يصوّر ذلك إعلام محور الشر، ولن يغض الطرف عن تهديدات مليشياتها. وهي تهديدات تتصل مباشرة بأمن أطراف حليفة لواشنطن في المنطقة؛ حيث لا يمكن لأي رئيس أن يتخذ قراراً بمعزل عنها. وبعد أن أثبتت كل الأحداث والشواهد السابقة في التعاطي مع النظام الإيراني استحالة تخلّيه عن مشروعه الثوري الذي يستمد منه قوته، فإن مسألة إسقاط هذا النظام الإرهابي باتت طريقاً لا يملك أي رئيس أمريكي إلا أن يسلكه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة