مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي تتصاعد تصريحات الرئيس جو بايدن لإرضاء ناخبيه، مثلما كان يفعل أيام حملته الرئاسية.
وبما أن السياسة الخارجية الأمريكية مرتبطة ارتباطا شديدا بالسياسات الداخلية، يحاول الفريق الديمقراطي الحاكم في واشنطن تعزيز فرصه بالفوز بأغلبية الكونجرس في غرفتيه "النواب" و"الشيوخ".
ولعل عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوري، تيد كروز، لخّص كثيرًا من التطورات الأخيرة في أمريكا بقوله إن سبب الأزمة المالية، التي تمر بها أمريكا حاليا، "السياسات الهدّامة لبايدن"، وبخصوص الطاقة والسياسة الخارجية، فإن بايدن هو الذي أوقف التنقيب عن النفط وجعل الأمريكان معتمدين على الآخرين، حسب قوله.
وبالعودة إلى سياسات بايدن، بعيدًا عن أصوات منتقديه، فإنه هو الذي قرر انتهاج سياسة عدائية تجاه الحلفاء، وهو وفريقه مَن تساهلوا مع أعداء أمريكا، وذهبوا يبحثون عن اتفاقيات نووية يشوبها الخلل والضرر لكثير من أصدقاء أمريكا.
وبعدما فجّرت "مجموعة من الجن" خط "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق -بحسب كاتب تشيكي ساخر- استغلت أمريكا الفرصة ورفعت أسعار الغاز على أوروبا، فيما أظهرت غضبها بعد قرار "أوبك+"، خشية ارتفاع أسعار النفط، وأرادت أن يرتفع سعر الغاز 100 مرة لأنها مستفيدة، أما ارتفاع سعر النفط فممنوع لأنها ببساطة غير مستفيدة.
وفي باريس كانت المظاهرات، التي حملت عنوان "المقاومة الشعبية العالمية لأجندات الشر"، والتي يريد اليسار المتطرف فرضها على العالم، تتوسع، ولعل الأصوات الأوروبية المرتفعة ضد سياسات الحليف الأمريكي ستُسقط حكومات وتغير توجهات.
لكن يجب إدراك أن "أجندات الشر"، التي تقف ضدها شعوب أوروبية، وتسوّقها حكومات أمريكا وفرنسا وكندا وتوابعها، تملك القوى المسيرة لها الأموال الضخمة، ووراءها الجيوش وأجهزة الأمن والاستخبارات الجبارة.
صحيح أن أمريكا قوة عسكرية لا يستهان بها، لكنها لا تستطيع كسب ودّ دول العالم بالقوة، وهذا ما يجهله معظم السياسيين اليساريين، الذين يحكمون "البيت الأبيض"، والذين لم يفهموا أن أمريكا هيمنت على العالم بالقوة الناعمة، وبحكمة ساسة من العيار الثقيل، لا بقوتها العسكرية، واسألوا فيتنام وأفغانستان، فهما خير دليل على تاريخ أمريكا.
والكم الهائل للتنافس في أمريكا اليوم يذكّرنا بالحرب الشرسة، التي شنّها إعلام أمريكا على الرئيس السابق دونالد ترامب، لأنه بحسب إعلام اليسار "سيتسبّب في حرب عالمية ثالثة".. بالأمس القريب فقط، قال الرئيس جو بايدن للأمريكيين: "استعدوا لهرمجدون"، وهي حرب نهاية العالم، وسبّب ذلك قلقا ورعبا لدى الأمريكيين حتى اللحظة.
منطق سياسة إدارة أمريكا مع دول العالم حاليا هو منطق أعوج، مفاده الآتي:
"يتوجب عليكم في هذه الدول أن تتخلّوا عن مصالحكم وتعملوا لمصالح أمريكا بايدن، ويجب أن تُعادُوا مَن نُعادي وتحاربوا مَن نحارب، حتى لو كان هذا سيُلحق الضرر بكم، وبعد أن نهزم عدوّنا بمساعدتكم، سوف نتفرغ لكم ونُعاديكم".
ولأن الوعي قبل الديمقراطية، وممارسة الديمقراطية الأمريكية دون وعي شعبي كارثة ماحقة لأي بلد، إنْ كنت مصدّقا أن هناك ديمقراطية حقيقية في الغرب، فمن المهم أن تكتشف أن ما يحدث في الغرب هو تبادل كراسيّ، تقرره النُّخب في الغرف المغلقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة