الرئيس الأمريكي جو بايدن يزور الشرق الأوسط قبيل الانتخابات النصفية للكونجرس.. في جَعبته بالتأكيد مطالب كثيرة، لكن هل ينوي دفع مقابلها؟
ربما في الولايات المتحدة مَن يعتقد أن دول المنطقة تنتظر فقط قدوم الرئيس كي تبذل من أجله كل غالٍ ونفيس، ولكن هذا الزمن قد ولّى من العالم عمومًا.
كل ما تلا الحرب الروسية-الأوكرانية يقول إن معايير دول العالم، وبالتالي منطقة الشرق الأوسط، في العلاقات الخارجية قد تغيّرت. والتغيير سبق ذلك، وبدأ مع تسلُّم "بايدن" السلطة خلفًا للرئيس السابق دونالد ترامب قبل عامين، ولكن الحرب سرّعت نتائجه واستدعت من أمريكا الإصغاء أكثر إليه.. ظنّته عابرًا وساذَجًا، ولكن تبين أنه ليس كذلك.
يريد "بايدن" من دول المنطقة بالتأكيد أن تقف إلى جانب الغرب "أمريكا والناتو" في حربه على روسيا.. وتريد دول المنطقة من الولايات المتحدة موقفًا جادًّا في محاصرة أخطار كثيرة على رأسها الخطر الإيراني، خاصة منع طهران من حيازة قنبلة نووية تهدد أمن واستقرار وتوازن الإقليم.
يبحث الرئيس الأمريكي مواجهة الصين، ولكن أولويات الشرق الأوسط مختلفة في الوقت الراهن.. فربما يزور "بايدن" "رام الله"، ولكن هل هو مستعد لإنهاء أقدم صراع في الشرق الأوسط؟!
ما يحرص عليه "بايدن"، كجميع أسلافه، هو تأكيد أمن إسرائيل وحمايتها من أي خطر خارجي.. ولكن هل حدود هذا التأكيد تمتد إلى التعهد بالحزم مع إيران عسكريًّا إنْ فشل الغرب في إبرام اتفاق نووي مع طهران عبر مفاوضات فيينا؟ أو التعهد بأن يكون هذا الاتفاق عادلا بما يضمن أمن وسلامة الشرق الأوسط؟
جميع دول المنطقة تطالب "بايدن" باتفاق عادل مع إيران.. وجميعها أيضًا يريد السلام وليس الحرب مع طهران.. ولكُلٍّ أسبابه، ولكن السلام يخدم كل الأطراف في نهاية المطاف.
السؤال الأساسي: هل تريد الولايات المتحدة سلامًا حقيقيًّا في الشرق الأوسط، أم تفضل بقاء بؤر الصراع مشتعلة إلى أجل غير مسمى؟
الحروب أثخنت جسد المنطقة العربية بالجراح، وجميع النزاعات مستمرة بسبب المماطلة الأمريكية في حسم المواقف وعدم ربط الأقوال بالأفعال، لإخماد نيران التناحر بدول مثل سوريا واليمن وليبيا.. فما بقيت الصراعات في الشرق الأوسط لن يهنأ أحد بالاستقرار وستبقى مصالح الجميع على المحك.
بعد الحرب الأوكرانية لم يعد أحد يصدق أن أمريكا عاجزة عن اتخاذ قرارات جدية لإنهاء الأزمات العربية.. ولم يعد ينفع أيضًا تبرير تأخر واشنطن في حل قضايا المنطقة بالبحث عن التوازنات الدولية.. الجميع شاهد ماذا فعل الأمريكيون والأوروبيون لأوكرانيا، وكم من الدعم العسكري والاقتصادي قدموا لها.
ولا شك أن الحرب الأوكرانية هي من أبرز العوامل، التي استدعت زيارة "بايدن" إلى المنطقة.. سواء بتداعياتها المباشرة أو غير المباشرة.. فالولايات المتحدة صنّفت العالم منذ أشهر بين مؤيد ومعارض، فمَن وقف في صف الغرب نال الرضا، ومَن اختار الحياد عادى وجهة النظر الأمريكية-الأوروبية.
واضح أن الدول العربية المؤثرة لم تقف إلى جانب أي طرف من طرفي الصراع في أوكرانيا.. بل أعلنت رفضها الحرب واستعدادها للعب دور الوسيط من أجل إنهائها، ولكن ذلك ليس كافيًا من وجهة نظر أمريكا، التي ربما أرادت من الجميع إرسال المال والسلاح إلى كييف، أو على الأقل تبني العقوبات الغربية على روسيا.
ورغم ذلك، فالأشهر الثلاثة الماضية أثبتت عدم نجاعة سلاح العقوبات الغربية في مواجهة روسيا وحل أزمة أوكرانيا، وما تلاه الرئيس فلاديمير بوتين من وقائع في مؤتمر سان بطرسبرج يقول إن توقعات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأمريكا لم تكن دقيقة إزاء هذه العقوبات، حتى إنها حملت آثارًا سلبية على الدول التي أقرّتها وتبنّتها على السواء.
"بوتين" قال أيضًا إن النظام العالمي أحادي القطبية "قد انتهى"، ودول المنطقة العربية تدرك أن التوازنات الدولية قد تضعضعت بالحرب الأوكرانية، على الأقل.
ولأنها كذلك، كان لا بد من التفكير في المرحلة المقبلة، واختيار التفاهمات والتحالفات التي تضمن مصالح الشعوب على المديين المتوسط والقصير.
الرئيس الأمريكي يريد من زيارته المرتقبة للمنطقة في يوليو المقبل أن يُقنع دولا فيها بـ"نُصرة الغرب" في مواجهة روسيا والصين للمحافظة على قطبيته وقوته العظمى.
ولكن هذا الأمر لا يجب أن يطرح بهذه السهولة، فلا يمكن لأي دولة أن تقدمه للولايات المتحدة أو الأوروبيين، ولا يمكن أيضًا أن تُتخذ قرارات كهذه في المنطقة بشكل اعتباطي لا مبرر له.
دعم الاقتصادين الأمريكي والأوروبي في مواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية وغيرها من الأسباب الضاغطة دوليا، وهو أيضا من الحوامل الرئيسية لزيارة "بايدن".. فهو يتوقع أن يجد في المنطقة تفاهماتٍ عدة تساعد في الحد من قدرة الروس على التأثير في أسواق الطاقة، أو مد يد العون بمشاريع استثمارية كبرى.
لم ولن تتأخر دول المنطقة، خاصة دول الخليج العربي، في المساعدة لحل الأزمات العالمية، ومنها الحرب الأوكرانية، على قدر متانة التحالف الذي تلمسه من أمريكا.. فالمصالح المشتركة بين مجلس التعاون والولايات المتحدة عديدة، ولكن إظهار التمسك بها يقع على عاتق الأمريكيين أكثر من غيرهم بكثير.. وكلما زاد هذا التمسك ارتفع سقف الدعم وزاد أفق التحالفات.
لم تعد المنطقة تثق بالولايات المتحدة كثيرًا، كما أن العالم يقف على أبواب مرحلة جديدة تستدعي إعادة النظر في المسلّمات، التي بُنيت عليها السياسة الدولية بعد الحرب الباردة.. وما يجري في أوكرانيا مجرد منعطف نحو نظام آخر تتشكل معالمه ببطء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة