صدمة باريس.. 10 مليارات يورو تغادر فرنسا سنويا مع تحويلات المهاجرين
أظهرت بيانات أوروبية أن تحويلات المهاجرين تكلف الاقتصاد الفرنسي أكثر من 10 مليارات يورو سنويًا، في ظاهرة متصاعدة منذ أكثر من عقد تضع فرنسا في صدارة الخسائر الأوروبية.
وقالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إنه مع توسع أنظمة التحويل غير الرسمية مثل "الحوالة"، تتعاظم الأرقام الحقيقية بعيدًا عن أعين الدولة والضرائب.
ويعد هذا وضعًا ينعكس مباشرة على الاقتصاد الفرنسي، فالمهاجرون يحتفظون في الغالب بروابط مالية مع أقاربهم في بلدانهم الأصلية، وتُعرف الأموال المُرسلة باسم "تحويلات المهاجرين".
وعلى مستوى العالم، تجاوزت هذه التحويلات 800 مليار دولار في عام 2023، وفقًا للبنك الدولي.
وأضاف مدير المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج، ديدييه ليشي، في حديث لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: "هذا المبلغ يفوق قيمة المساعدات الرسمية للتنمية على مستوى العالم".
ففي عام 2022 بلغت تلك المساعدات 220 مليار يورو فقط. وهو حجم اقتصادي ضخم، تخسره أوروبا، ولا سيما فرنسا، بشكل واضح.
هذا الملف كان موضوع أحدث مذكرة صادرة عن مرصد الهجرة والديموغرافيا، فإنه "بين عامي 2009 و2023، تسبّبت التحويلات المالية في خسارة تراكمية لفرنسا بلغت 155.5 مليار يورو، بناءً على أرقام "يوروستات" التي تقارن بين الأموال الداخلة والخارجة.
وتكمن المشكلة في أنّ العجز السنوي يرتفع عامًا بعد عام، من نحو 7 مليارات إلى أكثر من 15 مليار يورو.
فرنسا… الأولى أوروبيًا في حجم العجز
تحتل فرنسا المرتبة الأولى أوروبيًا في هذا المجال: فقد بلغ العجز لديها 15.8 مليار يورو في عام 2023، أي ما يعادل 44% من عجز الاتحاد الأوروبي كله الذي وصل إلى 35.9 مليار يورو. وللمقارنة، كان الرقم الأوروبي 12.4 مليار فقط في عام 2014، ما يعني أنه تضاعف تقريبًا خلال عشر سنوات.
وتوضح المذكرة أن «أزمة الهجرة التي بدأت في 2015 ساهمت بلا شك» في هذا الارتفاع.
غياب بيانات عن الجزائر
يركز المرصد على الدول المستفيدة من هذه التحويلات. ففي 2023، ووفقًا لـ"يوروستات"، ذهب أكثر من نصف العجز الفرنسي (51%) إلى أفريقيا، وبشكل خاص شمال أفريقيا (41%). تلتها بقية الدول الأوروبية (25%) ثم آسيا (18%).
لكن المشكلة أن "يوروستات" لا تنشر تفاصيل كاملة بحسب الدول، فالمتوفر يغطي فقط أربعة دول أفريقية، بينها دولتان من شمال أفريقيا: المغرب (22%) ومصر (2%).
أما الجزائر، فلا تظهر في بيانات "يوروستات"، بينما يكتفي البنك الدولي بالقول إن قيمة التحويلات إليها بلغت 1.7 مليار يورو في 2023، دون تحديد مصدرها.
ومع الأخذ في الاعتبار الوزن الكبير للجالية الجزائرية في فرنسا، من المرجّح أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال خرج من الأراضي الفرنسية.
وبحسب البيانات المتاحة، رغم نقصها، يتصدر المغرب قائمة الدول المتلقية بـ3.5 مليار يورو في 2023، ثم البرتغال (1.2 مليار)، إسبانيا (1.1 مليار) والصين (387 مليون يورو).
"الحوالة" والتحويلات غير الرسمية
لا تشمل الأرقام الرسمية التحويلات غير النظامية، التي تفلت من الإحصاءات، سواء عبر حمل الأموال نقدًا أو عبر شبكات أكثر تعقيدًا مثل نظام "الحوالة" التقليدي، الذي يقوم على وسطاء في بلد الإرسال وبلد الاستلام.
ووفقًا لاستطلاع أجرته "إبسوس" بشأن التحويلات من فرنسا إلى أفريقيا، فإن 19% من المشاركين اعتمدوا على شبكات غير رسمية، وترتفع النسبة إلى 21% نحو المغرب العربي.
ويستخدم هذا النظام بكثرة بين الجزائريين أو الفرنسيين من أصول جزائرية، بسبب عدم قابلية الدينار الجزائري للتحويل الخارجي.
وقال السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافييه دريانكور: "في الواقع هناك سعران للدينار: السعر الرسمي والسعر الموازي، والفرق بينهما قد يصل إلى الضعف"، لذلك يكون استخدام القنوات الرسمية غير مربح، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وأضاف: "ينشأ نظام موازٍ في المقاهي الجزائرية بباريس، وفي سين سان دوني، وليون، ومرسيليا، ويقوم الشخص القادم من الجزائر بتغيير دنانيره نقدًا وفق السعر الموازي ويحصل على اليورو، مقابل أن يضع لاحقًا المبلغ المعادل في الجزائر لصالح الوسيط، ليستفيد منه لأسرته أو أثناء عطلته".
هل تفرض فرنسا ضرائب على التحويلات؟
وتمثل هذه التحويلات دعمًا ماليًا مهمًا للأسر، لكنها قد تدفع المتلقين للعمل أقل أو الاستثمار بشكل أضعف، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
وفي تقرير "حالة الهجرة في العالم 2024"، تحذر المنظمة من أن هذه الأموال قد تزعزع استقرار الدول المتلقية إذا تراجع حجم التحويلات أو تغيّرت أسعار الصرف.
أما بالنسبة للدول التي تخسر هذه الأموال، فالضرر واضح: تخرج مليارات من الدورة الاقتصادية دون عائد، وتقدّر مذكرة المرصد أن ذلك يؤثر سلبًا على الاستهلاك، والناتج المحلي، والإيرادات الضريبية، ويزيد التكلفة العامة للهجرة.
يقترح المرصد عدة حلول منها خفض الهجرة القادمة من الدول الأكثر استفادة، وفرض ضريبة أوروبية على التحويلات نحو الدول غير الأوروبية، أسوة بالولايات المتحدة التي اعتمدت هذا الإجراء العام الماضي، ومحاربة قنوات التحويل غير الرسمية، خصوصًا "الحوالة"، عبر تشديد الرقابة والعقوبات، واستخدام التحويلات كأداة ضغط دبلوماسي، وتعليقها أو تقييدها على الدول التي ترفض التعاون في إعادة المهاجرين غير النظاميين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU0IA== جزيرة ام اند امز