انهيار الجنيه الاسترليني.. الإثنين الأسود يوقظ بريطانيا على كابوس
يوم الإثنين 26 سبتمبر/أيلول 2022 لن يمر مرور الكرام على البريطانيين، فلم يشهد فقط السقوط الأكبر لعملتهم، بل فتح تاريخ أزمات الاسترليني.
وتراجع الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى على الإطلاق إلى 1.0327 دولار في أحد أوقات التعاملات اليوم الإثنين. وبلغ انخفاض العملة 8% تقريبا منذ يوم الخميس، و21% منذ بداية العام، في وتيرة تماثل أزمات العملة في تاريخ بريطانيا بعد الحرب ويمكن مقارنتها بها.
وفور أنباء هبوط الجنيه الاسترليني إلى مستوى قياسي اليوم الإثنين، تدافع المتعاملون لبيعه وسط تكهنات بأن الخطة الاقتصادية للحكومة الجديدة في لندن ستضغط على أوضاع المالية العامة إلى أقصى حد.
ويأتي هبوط الجنيه الاسترليني وسط تحرك مستثمرين حول العالم ردا على خطط رئيسة الوزراء ووزير المالية الجديدين في بريطانيا لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق للتخفيف من وطأة أسعار الطاقة المتزايدة.
وغالبا ما تضمنت نوبات الذعر تلك محاولات الإبقاء على الجنيه الاسترليني بسعر ثابت مقابل العملات الأخرى، وهو ما لم يعد يمثل مشكلة بالنسبة للجنيه الاسترليني في وضع التعويم الحر.
ومع ذلك، فإن القيم الهائلة للاحتياطيات المبددة والضربات التي لحقت بالسمعة الوطنية كان لها دائما آثار فادحة على الحكومات في تلك الأوقات.
تاريخ نزيف الجنيه الاسترليني
شهدت العملة البريطانية تراجعات حادة في عدة محطات رئيسية منذ الحرب العالمية الثانية:
1- تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016
تراجع الجنيه الاسترليني بنسبة 8% بعد يوم من تصويت الناخبين البريطانيين بالموافقة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وكانت العملة تتراجع بالفعل منذ نحو عام لتصل إلى 1.145 دولار في أوائل أكتوبر تشرين الأول 2016 وهو ما شكل انخفاضا بنسبة 28 بالمئة من الذروة إلى أدنى مستوى.
2- الأربعاء الأسود 1992
في نقطة تحول لعضويتها في الاتحاد الأوروبي، خرجت بريطانيا في سبتمبر/أيلول 1992 من آلية سعر الصرف وهو نظام كان يهدف لتقليل تقلبات العملة قبل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة (اليورو).
أدى ذلك إلى انخفاض حاد في قيمة الجنيه الاسترليني، وعلى الرغم من ازدهار الاقتصاد في نهاية المطاف، لكن ذلك أضر بسمعة حزب المحافظين فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد حتى وصل الأمر إلى هزيمة ساحقة لرئيس الوزراء جون ميجور في انتخابات عام 1997.
وفي محاولة لدعم الجنيه الاسترليني، رفعت الحكومة أسعار الفائدة إلى 15% وباع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) ما قيمته 40 مليار دولار من الاحتياطيات في الأشهر التي سبقت الأربعاء الأسود.
واستخدمت بريطانيا أيضا بعض تدابير المحاسبة المبتكرة لإخفاء حجم خسائر احتياطياتها من النقد الأجنبي، من بينها "دفتر آجل سلبي سري" بقيمة 12.5 مليار جنيه إسترليني.
وفي عام 1997، قالت وزارة الخزانة إن التكلفة النهائية للأزمة تجاوزت ثلاث مليارات جنيه استرليني.
3- أزمة 1985
بدأ الجنيه الاسترليني ثمانينيات القرن العشرين بقيمة 2.30 دولار، لكنه وصل في أوائل عام 1985 إلى مستوى قياسي منخفضا عند 1.05 دولار مع تزايد قيمة العملة الأمريكية بسبب اختلالات تجارية عالمية. وصار تكافؤ الجنيه الاسترليني مع الدولار الذي لم يكن متصورا من قبل احتمالا حقيقيا.
وعلى الرغم من رفع الحكومة البريطانية لأسعار الفائدة لمنع المزيد من الانزلاق، جاءت بعض تراجعات الجنيه الاسترليني لأسباب تتعلق بالعملة البريطانية ذاتها.
وجاءت إحاطة من متحدث إعلامي باسم رئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر لوسائل الإعلام في يناير كانون الثاني 1985 بهدف طمأنة الأسواق المالية بنتائج عكسية بالغة.
واشتكى أحد الوزراء، وفقا لمحضر جلسة لمجلس الوزراء نُشر بعد ذلك بسنوات، من أن "الأمور لم تتحسن بسبب الرد الصحفي الذي اختلط عليه الأمر بين أن الحكومة ليس لديها هدف محدد للجنيه وبين الغموض التام بشأن مستواه".
وفي نهاية المطاف، ارتفع الجنيه الاسترليني مقابل الدولار بعد أن أبرمت الدول الصناعية الخمس الرائدة في العالم في ذلك الوقت "اتفاق بلازا" الذي اتفقت فيه على أن قيمة الدولار الأمريكي مبالغ فيها وعلى اتخاذ إجراءات لتقليلها.
4- أزمة صندوق النقد الدولي 1976
بحلول منتصف السبعينيات، كان الاقتصاد البريطاني في حالة يرثى لها. أدت محاولات لإنعاشه في أوائل ذلك العقد إلى انهيار حاد بعد ذلك بسنوات قليلة، وتفاقم ذلك بسبب أزمة في النفط.
وتجاوز معدل التضخم 25% في عام 1975 وشهد الجنيه الاسترليني حديث التعويم حالة من السقوط الحر، ووصل في النهاية إلى أدنى مستوى قياسي له في ذلك الوقت عند 1.58 دولار في أكتوبر تشرين الأول 1976.
وأشارت سلسلة من التوقعات القاتمة المتعلقة بالاقتراض الحكومي إلى أن بريطانيا ربما لم تعد قادرة على تحمل نفقاتها، مما أجبر وزير المالية في ذلك الوقت دينيس هيلي على طلب المساعدة الخارجية من صندوق النقد الدولي في ضربة لهيبة بريطانيا كقوة اقتصادية كبرى.
وبلغت قيمة القرض 3.9 مليار دولار، وكان أكبر قرض يتم الحصول عليه من صندوق النقد الدولي على الإطلاق وقتها، وجاء مقابل تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام.
وتندم هيلي بعد ذلك بعد أن تبين أن وضع الاقتراض الحكومي جاء أفضل بكثير من المتوقع، مما أثار تساؤلات عما إذا كان القرض، الذي تم سداده مبكرا عن موعده، ضروريا حقا.
5- خفض القيمة في 1967
سعت حكومات متعاقبة من حزبي المحافظين والعمال جاهدة لاحتواء الإنفاق في الستينيات، مما زاد الضغط على الجنيه الإسترليني الذي تم تثبيته عند 2.80 دولار.
وبحلول عام 1967، أصبح الضغط لا يقاوم، لكن الخلاف داخل الحكومة ومع بنك إنجلترا، الذي كان يعارض خفض قيمة الجنيه الاسترليني كوسيلة سهلة للخروج من مشاكل بريطانيا، تسبب في إدارة سيئة لعملية خفض قيمة العملة.
وعلم مستثمرون أن الخطة أخفقت في نوفمبر/تشرين الثاني 1967 عندما اختار وزير المالية في ذلك الوقت جيمس كالاهان ألّا يؤكد أو ينفي للبرلمان ما إذا كانت هناك محادثات جارية حول خفض قيمة العملة أو الحصول على قرض طارئ.
ولم يكن لدى بنك إنجلترا أي خيار سوى حرق الاحتياطيات ليوم واحد حتى أعلن رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون، الذي كان يعتبر الجنيه رمزا للوضع الوطني، رسميا خفض قيمة العملة إلى 2.40 دولار.
ولقي السخرية عندما قال للشعب إن الجنيه الاسترليني "هنا في بريطانيا، في جيوبكم"، لن تقل قيمته بعد الخفض.
aXA6IDE4LjExOC4xMTkuNzcg جزيرة ام اند امز