الأمريكي موا.. ذكريات سوداء تطارد البشرة السمراء
كان موا في السابعة أو الثامنة من عمره حين توجه إليه شخص بالقول "عد إلى أفريقيا!"
"عد إلى أفريقيا".. لم تكن مجرد كلمات يسمعها ذاك الطفل ابن السابعة ربيعا، بل علقت في ذاكرته إلى أن أصبح شابا يافعا.
هو، موا بولاس، الشاب الذي ولد في بورت-أو-برنس، في هاييتي، ووصل إلى الولايات المتحدة في عمر السنتين مع عائلته التي كان هدفها الفرار من "اضطهاد سياسي" في كاليفورينا، وهي مدينة ذات غالبية بيضاء.
لم يعد موا الذي غدا طالبا في العلوم السياسية بالولايات المتحدة، يطيق الجلوس في المنزل، منذ اندلاع الاحتجاجات على وفاة ابن ذات اللون جورج فلويد، بركبة شرطي أمريكي، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
فمنذ عدة أيام يواظب موا على المشاركة في المظاهرات التي تشهدها شوارع واشنطن، وفي ذاكرته جرح فتحته وفاة فلويد.
يقول متأثرا: "عندما شاهدت الفيديو ورأيت وجه جورج فلويد، فإنني لم أر وجهه فحسب. رأيت وجه والدي، عمي، إخوتي، أقربائي، أصدقائي. رأيت وجهي. رأيت مدى احتمال أن أجد نفسي مكانه في تلك الوضعية".
"أول شتيمة"
حادثة فلويد أحيت شيئا في ذاكرة موا، حين كان في السابعة أو الثامنة من عمره، عائدا مع رفاقه من نزهة مدرسية وتوجه إليه شخص بالقول "عد إلى أفريقيا!"، لتكن أول "شتيمة عنصرية" يتلقاها الطفل في وقته.
يقول موا "أكثر ما جرحني هو رد فعل معلمتي البيضاء حين أبلغتها (...) فقد نصحتني تقريبا بنسيان ما جرى".
واقعةٌ يقول ابن الـ 21 عاما، إنها "ستطبع لبقية حياتي كل تواصل لي مع أشخاص بيض أو ذوي بشرة أخرى".
في حديقة المنزل الذي يتشاطره مع طلاب آخرين في شمال-شرق واشنطن، كان موا ينتعل حذاء رياضيا أبيض وكنزة حمراء مكتوب عليها باللغة السواحلية "مافا 2020" ("مأساة كبرى)، وتشير إلى تجارة الرقيق.
في تلك الحديقة التقته فرانس برس: "كبرت وأنا أعلم أن الناس سينظرون إليّ بصفتي تهديداً بسبب لون بشرتي. إنهم يتصورونني خطيرا وكأني شخص عنيف. وهذا يعني أنه يتعين علي أن أراقب سلوكي طيلة النهار لأنني أسود".
وبشرح مستفيض يسرد أكثر "إذا كنت أسير على الرصيف مثلا وثمة بيض يأتون باتجاهي، فمن مصلحتي التنحي جانبا وعدم السعي إلى فرض وجهتي (...) من مصلحتي النظر في الأرض والحفاظ على الصمت". مستطردا "إنه لواقع خانق".
يعود موا بشريط ذاكرته إلى سن الـ13، حين رأى والده الذي يعمل في قطاع صناعة الأدوية أثناء توقيفه من جانب الشرطة خلال قيادته السيارة.
عن ذلك اليوم، يقول "حين اضطر والدي (إلى الامتثال)، شعرت بخوفه. كان خوف لم أره طيلة حياتي يسكن الرجل الذي يحميني، أنا وعائلتي. في هذه اللحظة، انتقل هذا الخوف إلي، ولم يغادرني منذ تلك اللحظة".
ويردف "دائما ما يوقف عناصر الشرطة أشخاصا يقودون سياراتهم فقط لأنهم سود".
وللصدفة حصل الأمر نفسه معه حين أوقف للمرة الأولى بينما كان يقود سيارته في سن الـ17.
وبحسب الموقع المتخصص mappingpoliceviolence.org، فإن الأمريكيين من أصل أفريقي عرضة للقتل على يد الشرطة بنسبة أعلى بثلاث مرات من احتمال حصول الأمر نفسه مع الأفراد البيض أو ذوي الأصول اللاتينية.
"رأيت وجهي"
حادثة جورج فلويد، رب الأسرة الأمريكي البالغ 46 عاما الذي كان يحتضر تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليسو، في لحظات صُورت في مقطع فيديو، أثارت موجة غضب غير مسبوقة في البلاد.
لحظات أثّرت في موا، "عندما شاهدت الفيديو ورأيت وجه جورج فلويد، فإنني لم أر وجهه فحسب. رأيت وجه والدي، عمي، إخوتي، أقربائي، أصدقائي. رأيت وجهي. رأيت مدى احتمال أن أجد نفسي مكانه في تلك الوضعية".
في الربيع، تخرج موا من جامعة هوارد، جامعة السود المرموقة في واشنطن.
وبعدما حلم طويلا في أن يعمل في السياسة، بات يتجه حاليا نحو التعليم، ويتطلع حاليا إلى مغادرة الولايات المتحدة نحو أوكرانيا حيث يريد تعليم الإنكليزية بعدما أتقن اللغة الروسية.
لكن الأمل لا يفارقه في أن يساهم يوما في صناعة غد أفضل لأبناء بشرته في الولايات المتحدة. كما يقول.
aXA6IDE4LjExNy43OC44NyA=
جزيرة ام اند امز