يمكن أن يُفهم من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أخيراً، إلى المملكة العربية السعودية أن هناك تغييراً مهماً طرأ على العلاقات الخليجية - الأمريكية بشكل عام، ومع السعودية بالخصوص.
فقد كشفت مجريات الزيارة ونتائجها رغبة واشنطن في استعادة ثقة دول مجلس التعاون بها.
حرص بلينكن خلال وجوده في الرياض على تأكيد استمرار واشنطن في شراكاتها مع دول الخليج وتمسكها بالتزاماتها تجاه تلك الدول سواءً استراتيجياً أو سياسياً.
وكان المنحى نفسه واضحاً بل وأكثر تأكيداً فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية-السعودية، حيث أكد على التعاون في حلحلة بعض ملفات المنطقة مثل الملفين السوداني واليمني.
ويعتبر حرص أنتوني بلينكن على تأكيد هذه الشراكة، أمراً منطقياً في ظل ما تعرضت له العلاقات خلال الفترة الماضية لتوترات واختلافات. حيث ظهرت في القرارات الخاصة بأسعار النفط في السوق العالمية، والتقارب السعودي الإيراني، والانفتاح بشكل واضح على كل من روسيا والصين في مجالات مختلفة ومهمة وصلت إلى حد التعاون العسكري.
إن فتور العلاقة الخليجية وتراجع حرارتها مع الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بمبادرة خليجية، وإنما هو نتيجة ورد فعل طبيعي ومنطقي على سياسات ومواقف وتحركات أمريكية مستمرة منذ سنوات وبعضها منذ عقود، لم تخدم أمن أو مصالح شعوب ودول الخليج.
بل إن السلوكيات الأمريكية سارت في كثير من الأحيان باتجاه معاكس لأمن واستقرار دول الخليج والمنطقة كلها. والدليل على ذلك المواقف الأمريكية المتساهلة تجاه أنشطة إيران النووية ومجمل الدور الإيراني المسبب للتوتر والاضطراب في المنطقة.
بالإضافة إلى خذلان واشنطن للرهانات العربية عليها في لعب دور فعال نحو إيجاد حل نهائي وتسوية ولو شبه عادلة للقضية الفلسطينية. وغير ذلك من مواقف لم تثبت خلالها الولايات المتحدة فهماً لحقيقة الأوضاع في المنطقة ولا للطرق الفعالة والسليمة لمعالجة تلك الأوضاع.
ولا بد من الإقرار بأن هذا النمط الأمريكي الذي لا يتوافق مع مصالح وأمن شعوب المنطقة، ليس جديداً، فقد بلغت هذه الأخطاء الأمريكية الفادحة ذروتها خلال فترة ما كان يعرف باسم "الربيع العربي". وأمثلة أخرى كثيرة في العقود الماضية.
أما الجديد فقد جاء من داخل المنطقة، حيث كسرت بعض الدول العربية طوق التحالف الأحادي والمطلق مع واشنطن، وهو القيد الذاتي الذي فرضته على نفسها. واتجهت إلى تنويع التحالفات وأطراف التعاون ومصادر الاستقواء والتنسيق والمنافع المتبادلة. فوجدت واشنطن نفسها وحيدة ومواقفها شبه معزولة في ملفات وأزمات متتالية خلال الأعوام الأخيرة بصفة خاصة.
في مقابل أن دول مجلس التعاون الخليجي حققت مكاسب مباشرة وغير مباشرة من الانفتاح على القوى الكبرى الأخرى، لمست واشنطن أضرار وسلبيات المردود المنطقي لممارساتها وتوجهاتها السابقة غير المتوازنة.
وعليه، بادرت واشنطن، أخيراً، إلى تحركات متوالية لاستدراك ما فاتها وترميم ما خسرته من روابط مع دول الخليج وتفاهمات كانت بالتأكيد مفيدة لها في السابق. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية وعقد قمة أمريكية-خليجية وأخرى أمريكية إسلامية في يونيو/حزيران من عام 2022 بالرياض. ثم تصاعدت التحركات الأمريكية والاتصالات المكثفة مع قادة وزعماء دول الخليج العربية، وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. وقام مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بزيارات لدولة الإمارات ولدول خليجية أخرى، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية وعبر القنوات الدبلوماسية وغيرها.
لقد جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي والاجتماع المشترك مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في السعودية، لتشير بوضوح إلى رغبة أمريكية حثيثة في ترميم علاقتها مع دول الخليج. وهو ما وضح من شمولية البيان الصادر عن الاجتماع، الذي تطرق إلى كل الملفات والقضايا التي تهم دول الخليج بل والمنطقة كلها.
كما كان واضحاً من لغة ومضمون التصريحات الأمريكية أن واشنطن تحاول استعادة المكانة والخصوصية الأمريكية لدى الحكومات والسياسات الخليجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة