أبوظبي استضافت القمة العالمية للمحيطات برعاية كريمة من الشيخ محمد بن زايد ما بين الخامس والسابع من الشهر الجاري
على أرض دولة الإمارات، أرض التسامح والسلام استضافت أبوظبي القمة العالمية للمحيطات برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما بين الخامس والسابع من الشهر الجاري، وبمشاركة أكثر من خمسمائة شخصية قيادية وأكاديمية وعلمية متخصصة في شؤون البيئة وحماية البحار والمحيطات من المخاطر البيولوجية والتبدلات المناخية.
وعبر العقود المنصرمة عملت الإمارات على بذل الجهود الواسعة لحماية البيئة البحرية، ودائماً ما اتجهت رؤاها على الصعيد العالمي في رسم أهداف مستقبلية تعود بالنفع للبشرية، فكانت انطلاقة القمة العالمية للمحيطات في سبيل إرساء أسس مشتركة لمعالجة التحديات التي تعترض البحار والمحيطات، باعتبار أن البيئة تواجه تحدياً خطيراً يتمثل في أشكال التلوث المختلفة الناجم عن مزيج من تلوث الهواء والماء والتربة وعجز خدمات تصريف المياه والتخلص من النفايات بسبب النمو المتفجر للسكان في العالم، وبطبيعة الحال فإن الملوثات في البحار والأنهار تؤدي إلى إلحاق الضرر بالصحة البشرية والأذى وبالأحياء المائية، وإلى خلق صعوبات في الاستخدامات المشروعة للبحر، سواء في عمليات النقل البحري أو في السياحة والاستجمام، وهناك أنواع مختلفة من المواد والمكونات التي تسبب في تلوث البحر مثل النفط والمواد الكيميائية السائلة والمواد المتفجرة.
إذا تطورت كل المؤهلات البشرية والمعدات التكنولوجية والتنسيق الفعال بين الدول يمكن بلا شك اكتشاف أسرار "القارة الزرقاء" واستخدام ثرواتها لصالح البشرية، وهو ما تسعى إليه وترغب دولة الإمارات في تحقيقه في الأيام المقبلة
وتعد معرفة أسرار الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه وعلى الأخص ما تختزنه المحيطات والبحار من ثروات وموارد طبيعية بمثابة تكوين مخازن احتياطية لا تنفد عملياً، ويمكن أن تسهم في إنقاذ البشرية من الأزمات التي تحيطها، مثل أزمة الغذاء والموارد الأولية، وتحدث القرآن الكريم عن البحر كنعمة من نعم الله التي يجب أن تُشكر، وأن يُنظر إلى المحيطات نظرةَ التفكر والتأمل العاقل، تُستخرج كنوزها، ويؤكل من خيرها، ويغاص في أعماقها للتعرف على مكنونات الله فيها، وأن ننظر إلى نعم الله التي تجلب بالسفن وتحمل ما لا يطيق البشر حمله، قال الله تعالى عنها: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
عندما يفرض الإنسان على الطبيعة إرادته الخاصة فإنه يتدخل في مجرى الاصطفاء الطبيعي لما يريده، وما ينبغي عليه أن يحققه من منافع حيوية، فالتطور العالمي أدى بشكل كبير إلى تشكيل عملية نمو متميزة، والاعتقاد بأن النظام الذي ترتكز عليه الطبيعة غير قابل للنفاد من جميع الوجود وقد تتبدل مجرياته في الطبيعة الكونية فالأزمات الحديثة ممكنة والخيارات معقدة ولكنها موجودة، ومن هنا كان التحرك الإماراتي لإيجاد الحلول الفعالة لما تشهده البحار والمحيطات من مسائل شائكة، ويمكن بالتالي معالجتها بالتقنيات الحديثة بعد تفهم طبيعتها وارتباطها، إنها القارة الزرقاء بمكنوناتها وكنوزها العائمة والدفينة في أعماق المياه.
وحين انطلقت الإمارات باتجاه سبر أغوار البحار والمحيطات عالمياً فإنها أدركت قبل هذه الانطلاقة الأهمية المبتغاة لتطوير عملية استغلال الموارد المتوفرة في البحار والمحيطات، منها درء نتائج الأزمات الغذائية التي تعترض البشرية، فالأرض لا تزال ذات إمكانيات لم تستغلها اليد البشرية بشكل كامل، من حيث الدراسة أو التنقيب في الاستكشافات والبحوث العلمية، فيمكن استغلال الرف الصخري البحري الذي يمكنه تقديم خُمس الإنتاج العالمي من النفط والغاز، أو يمكن الاستفادة من مركبات المنغنيز الحديدية فوق قعر المحيطات، أو الاستثمار في المحيطات فيما يتعلق بطرق النقل، في الوقت الذي تزداد فيه اقتصادية النقل بزيادة التنبؤ بظروف رصد المحيطات والبحار.
وهناك العديد من الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان من المحيطات، فهي تقدم وظيفة بمثابة وظيفة الرئتين في الجسد، فتقدم نصف أوكسجين الغلاف الجوي الناتج عن عملية التركيب الضوئي التي تسببها الطبقة النباتية الحيوانية في المحيط، كما تحتوي المحيطات على مصادر ضخمة من الطاقة الميكانيكية والحرارية المتبادلة مع الجو، ولهذا يتحدد الطقس فوق القارات بالعمليات التي تجري في المحيط والغلاف الجوي فوقه.
وما زالت الدراسات بهذا الموضوع في بدايتها، وأن استكشاف المحيطات لا يزال بعد في مراحله الأولى، والمساحة التي تم تفتيشها من قيعان البحار والمحيطات ضئيلة جداً، قياساً إلى المساحات التي تم اكتشافها على سطح الأرض، وبذلك يتطلب بناء نموذج بيولوجي للمحيطات ودراسة عمل العضويات الحية، مثل الميكروبات حتى الثدييات الكبيرة، ومعرفة الترابط الداخلي فيما بينها جميعاً، وهذا النموذج ضروري لتقييم أفضل للمصادر البيولوجية وللتأكد من تطورها.
وترى دولة الإمارات أن مصير الأنهار والبحار والمحيطات هو بأيدي البشر، وينبغي إيجاد طرائق جديدة للتنقية بالنسبة للاختناقات الجديدة من النفايات, ففي زمان ما كان يمكن إلقاء أو سكب النفايات في الأنهار، وبعد ذلك وجب بناء إنشاءات تصفية أكثر تعقيداً وبتكاليف أكثر، وتكمن الخطوة الجديدة مبدئياً في إجراء تغيير جذري للعمليات التكنولوجية جميعها، ويجب أن تكون مأمونة إلى أقصى حد من جهة نظر حماية الطبيعة والمحافظة على صحة البشر، ووضع تشريعات بحرية متطورة على مستوى العالم لمجابهة مخاطر التلوث أينما كان مصدره، فالبيئة لا ترتبط بحدود البلاد بل هي مشتركة كالهواء والمياه، وصولاً إلى حل الأزمات البيئية.
توصيات القمة العالمية للمحيطات لها أهميتها والتركيز على تنفيذها يأتي لصالح الجنس البشري من خلال التخطيط الوطني والإقليمي والعالمي لاسيما في تأمين غواصات ومعدات بحرية وسفن متخصصة مرتبطة جميعاً بمراكز الأبحاث المتخصصة ومتعاونة مع الوزارات المعنية في العالم للدراسات البحرية والاستكشافات العلمية لهذه القارة المائية.
وإذا تطورت كل المؤهلات البشرية والمعدات التكنولوجية والتنسيق الفعال بين الدول يمكن بلا شك اكتشاف أسرار "القارة الزرقاء" واستخدام ثرواتها لصالح البشرية وهو ما تسعى إليه وترغب دولة الإمارات في تحقيقه في الأيام المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة