شاء الله تعالى أن يكون شهر رمضان علينا هذا العام بوضع مختلف، حيث جاء في هذا الزمن العصيب الذي اجتاح فيه فيروس كورونا العالم
من مقاصد الشريعة الكبرى المحافظة على النفس وعدم إلحاق الضرر بها مباشرة أو تسببا، وقد ثبت في السنة ما يدل على وجوب حماية الإنسان من أي ضرر متوقع.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يوردن ممرض على مصح" وأخرج البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها".
وهذا هو الحجر الصحي الذي يعرفه الناس اليوم وقد سبق إليه هدي النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي اتبعه أصحابه لما أصاب الشام وباء الطاعون بما يعرف بطاعون عمواس أيام سيدنا عمر رضي الله عنه وقال قولته المشهورة: "نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله"، ولذلك صدرت التوجيهات المسؤولة صحيا ومجتمعيا بلزوم التباعد الجسدي وعدم التجمعات في أي مكان؛ لما ثبت طبيا أن أقوى انتشار للفيروس هو الاختلاط وما يصاحبه من مصافحة وسعال وعطاس واحتكاك بالأجساد وملامسة لأشياء.
فكان لزاما على الناس أن يقوا أنفسهم وغيرهم من هذا الانتشار الخطير الذي لا يفرق بين صغير وكبير، وأن الوقاية الأولى منه هو في التباعد ولزوم البيوت، وقد صدرت التوجيهات القيادية بوجوب الدوام الرسمي والخاص عن بعد، كل ذلك حماية للناس والمجتمعات؛ لأنه إذا تفشى تصعب السيطرة عليه كما حدث للدول التي تساهلت معه، فاستشرى فيها حتى خرج عن السيطرة وعجزت عن القيام بوجبها نحو شعوبها ومن يقيم على أراضيها، فكانت قيادتنا الرشيدة حكيمة وقامت بالمسؤولية اللازمة وفقها الله لكل خير وحماها من كل ضير.
شاء الله تعالى أن يكون شهر رمضان علينا هذا العام بوضع مختلف لم نألفه، حيث جاء في هذا الزمن العصيب الذي اجتاح فيه فيروس كورونا العالم فأزهق الأرواح وجمد حركات الناس واقتصادهم.
لقد شاء الله تعالى أن يكون شهر رمضان علينا هذا العام بوضع مختلف لم نألفه، حيث جاء في هذا الزمن العصيب الذي اجتاح فيها فيروس (كوفيد-19) العالم فأزهق الأرواح وجمد حركات الناس واقتصادهم، فحرمنا من أجله المساجد في الجمع والجماعات والنوافل كالتراويح والقيام، والاعتكاف وموائد الإفطار فيها وفي المخيمات الخاصة.
فضلا عما اعتاده الناس فيه من التزاور والتواصل، وهذه كلها تعد مصائب لأنه تسيء للناس كافة، وكل ما ساء المرء فهي مصيبة، فحقنا عند هذا الوضع أن نسترجع فنقول إنا لله وإنا إليه راجعون، لننال أجر الصابرين المحتسبين، لكننا إن أخذنا هذه المحنة من جانب آخر لرأيناه منحة إلهية، حيث كانت سببا لإعطاء البيت حقه من الاستقرار وحقه من إقامة ذكر الله فيه من الصلاة وقراءة القرآن وحقه من لم الشمل في البيوت.
فيكون بذلك الاستقرار الروحي والنفسي وزيادة وشائج القربى والتراحم العائلي، فلننظر لهذه المحنة من هذا الجانب فلنستغلها لإصلاح ما كان قاصرا لدينا سابقا، فإن صلاة التراويح في البيت من الفضائل كما قال عليه الصلاة والسلام حين لم يخرج لأصحابه لصلاة التراويح في الليلة الثالثة: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".
فإنه لما جاء شهر رمضان والمساجد معطلة وخاوية على عروشها، نسوا ألم فراق الجمعة والجماعة، وتذكروا ما كانوا يعهدونه في هذا الشهر من الاجتماع في المساجد لصلاة التراويح، وكثر تساؤل الناس وأسفهم على ذلك، فعلموا من هذه المحنة بهذا الوباء، أن التراويح نافلة، وإغلاق المساجد عنها ليست بأهم من الجمع وفرائض الصلاة، فاتجهوا لبيوتهم فأقاموا فيها صلاة التراويح فنالوا أجر قيام رمضان كما لو أقاموه في المساجد سواء.
الالتزام بالإجراءات والإرشادات الصحية تعد الآن من ضروريات الحياة، لأننا في وضع خطر، ولا بد من توقي الخطر بما نستطيع توقيه، وذلك بما أرشدتنا إليه الجهات المعنية من عدم التجمعات ولزوم البيوت ولبس الكمامات والقفازات، حتى إن الدولة لشدة حرصها على الناس ضحت بمصالحها الاقتصادية الكبيرة فمنعت الدوام الرسمي واستبدلته بالدوام الإلكتروني، وجمدت الكثير من أنشطتها التجارية والسياحية وغيرها.
كل ذلك حرصا على سلامة الناس التي هي في نظرها أولى الأولويات، فلا بد من الناس أن يكونوا في هذا المستوى من المسؤولية، وإلا كانوا عرضة للمؤاخذة النظامية والمؤاخذة الشرعية بمخالفة ولاة الأمر واجبي الطاعة وإلحاق الضرر بالنفس والآخرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة