الأردنية كفى الزعبي: العرب يفتشون عن خطايا الكاتبة في شخصيات رواياتها
الروائية الأردنية كفى الزعبي تقول إنها حاولت في روايتها إجراء مقاربة بين ملحمة جلجامش الأسطورية والإنسان العربي الذي يعيش أزمات عدة
ترى الروائية الأردنية كفى الزعبي أن كثيرا من الكتاب العرب نجحوا في الغوص في إشكاليات الواقع العربي وأزماته وأسئلته بأعمالهم المهمة، كما أنهم تصدوا لها على نحو رائع.
وتؤكد الزغبي في حوارها مع "العين الإخبارية" أن الأدب الحقيقي لا يحتمل الزيف، لأنه ليس بديلا عن الواقع، لكنه ضروري لطرح الأسئلة الجذرية.
والزعبي من مواليد 1965 وحاصلة على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بطرسبورج في روسيا، وأصدرت 5 روايات من قبل هي: "سقف من طين"، "عد إلى البيت يا خليل"، "ليلى والثلج ولودميلا"، "ابن الحرام"، و"سين".
وصلت روايتها "شمس بيضاء باردة" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2019، ونالت شعبية كبيرة في عالمنا العربي، وإلى نص الحوار:
كيف انعكست إقامتك الطويلة في روسيا على نصوصك ورؤيتك لما يجري في العالم؟
حينما وصلت إلى روسيا بعد المدرسة مباشرة، لم أتعلم اللغة وحسب بل تعرفت على مضامين جديدة لهذه اللغة، واكتشف أن العلاقة بين المفردة والمعنى وطيدة، وبدا لي أن المجتمع الجديد الذي أعيش فيه يحيي المعنى ذاته، فالمعاني واضحة ومحددة ونادرا ما تحتمل اللبس أو التأويل.
اللغة كائن حي يعكس البنية الذهنية للإنسان والمجتمع، وهي بنية تختلف عن البينة الذهنية للمجتمع العربي الذي أتيت منه، حيث يشكل هناك التأويل إحدى ركائز اللغة، وهذا في رأيي واحد من أعراض أزمتنا الثقافية والفكرية التي يمكن تسميتها أيضا بأزمة الشكل والمضمون.
التابوهات في عالمنا العربي تحد من حرية الإفصاح عن المضمون المراد، إما تزيده ضبابية وتأويلا، وإما تعيق تطوير مضمونه، ولهذا ربما نرى في كثير من نصوص اللغة العربية بهرجة مبالغ بها، في الصور الفنية، في الاستعارات وفي المجازات، لكن بمضمون ضعيف وربما فارغ من أي معنى.
ما رأيك فيما يراه البعض من كون رواية "شمس بيضاء باردة" ترصد الأسطورة وانهيارها لأن مسار الشخصية الرئيسية ينتهي بالانتحار؟
حاولت في هذه الرواية إجراء مقاربة بين ملحمة جلجامش الأسطورية وأسئلتها الفلسفية الوجودية، والخلود والموت والبعث والإنسان العربي الحديث الذي لا يعيش أزمات حادة على جميع الأصعدة وحسب، بل يعيش مهزوما أحيانا، لا سيما إذا كان مثقفا ويحمل رؤى تناقض رؤى مجتمعه المحافظ.
في ضوء هذا الواقع بدا لي أن المثقف العربي يشعر بغربة شديدة عن مجتمعه بسبب الإقصاء، وتظهر لديه الأسئلة الوجودية بل تصبح أكثر حدة.
ترصد الرواية البؤس الاجتماعي والاقتصادي والنبذ الذي تُعاني منه شخصيات الرواية وعدم قدرتها على التكيف في واقع متعصب.. لماذا كل هذا البؤس؟
الواقع ذاته يحمل كل هذا البؤس والنبذ والإقصاء، ومهمة الأدب ليست تجميل الواقع وتكرار خطاب مترهل نابع من ذهنية ترفض الاعتراف، وتحاول رسم واقع آخر بمواصفات متخيلة تستجيب لرغبتها في الافتخار والمباهاة.
في الحقيقة هذه هي العقلية القبلية التي لم يخرج منها الإنسان العربي بعد، عقلية مرهونة بما يُقال وما يجب أن يُقال، لا بما هو حقيقي.
إننا نرهن أنفسنا بصورة متخيلة عنا ونرفض رؤية الحقيقة المجردة؛ لأننا نعتقد أن الحقيقة تسيء إلينا. نحن قوم نعتد على نحو غير مبرر بذواتنا.
الأدب الحقيقي لا يحتمل الزيف، لكنه ليس بديلا عن الواقع، ومهمته التصدي للأسئلة المصيرية.
دائما ما تضعين شخصياتك في لحظات حرجة، فهل وجود أزمة هو المحرض لديك على الكتابة؟
الأزمة كما قلت: موجودة بالفعل في الواقع، وهي أشد حدة مما أتخيل أنا أو أي شخص آخر، وهذه هي القضايا التي تهمني وهي التي تحرضني على الكتابة.
الواقع كارثي لدرجة جنونية، والرواية يجب أن تتصدى لكل ذلك، لأن آلاف الروايات لن تكف كي تهز الإنسان العربي وتقول له: أفق، إنك تمضي إلى الهاوية.
هل يفصل الكاتب قضاياه الخاصة أم أن كتابتهُ لا بد أن تصبغ بمعاناته؟
عن نفسي لا تستهويني الكتابة عن تجاربي الذاتية بقدر ما يستهويني الكتابة عن قضايا الإنسان العربي.
ربما حدث أن استثمرت بعض المشاعر والعوالم الداخلية الخاصة بي في رواية "ليلى والثلج ولودميلا" التي تناولت مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي، لدرجة أن كثيرين ظنوا أنني "ليلى" كوني درست أيضا في روسيا وعشت مرحلة الانهيار في تسعينيات القرن الماضي.
بشكل عام لدى العرب هاجس ملحّ للعثور على الكاتب بين شخصياته، خاصة إذا كانت امرأة، كأنهم يترصدون لها ليكشفوا خبايا حياتها وربما خطاياها.
ليلى لم تكن أنا بالمعنى الشخصي، كانت ترمز إلى المرأة العربية بما تحمله من تابوهات وعقد وإشكاليات، مع أنها في الوقت نفسه تحمل جزءا مني، وجزءا من صديقتي العربية هذه أو هذه أو تلك.
لقد نظرت إلى كل النساء العربيات التي عرفتهن في روسيا وتابعت تجاربهن في الاحتكاك بثقافة أخرى أكثر انفتاحا، إذن كنت أنا نفسي واحدة من النساء العديدات اللواتي وضعتهن تحت المجهر ودرستهن وحاولت التمعن في مخاوفهن كي أصهرهن في شخصية واحدة ستحاول فيما بعد التمرد على ذاتها وعلى مكونها الثقافي، قبل أن تتمرد على قيود مجتمعها.
هل ترين أن الروايات العربية المعاصرة نجحت في تجسيد مشكلات المجتمعات العربية الخاصة بالموروثات الفكرية؟
إلى حد ليس بقليل هناك كثير من الكتاب العرب نجحوا في الغوص في إشكاليات الواقع العربي وأزماته وأسئلته بأعمالهم، بل تصدوا لها على نحو رائع من خلال طرح قضايا مهمة في أعمالهم الروائية العربية وعلى نحو جوهري وعميق.
لدينا أمثلة عديدة لهؤلاء الكتاب، مثل مدن الملح لعبدالرحمن منيف، أو سؤال الصحراء والسؤال الفلسفي لإبراهيم الكوني، أو سؤال الذات لدى صنع الله إبراهيم، أو قراءة الواقع عبر تناول التاريخ عند أمين معلوف، وبالطبع لم أذكر نجيب محفوظ أو غالب هلسا، مثلا، لأنهما ربما لم يعودا معاصرين.
بشكل عام هناك كثير من الأسماء من مختلف الدول العربية أغنت المكتبة العربية بنتاجها العميق وبتناولها للموروث الثقافي، وأخشى أن أنسى بعضها لهذا سأكتفي هنا.
aXA6IDMuMTQuMjUwLjE4NyA= جزيرة ام اند امز