"غواية اللامعقول".. كتاب عن علاقة قادة الفكر الأوروبي بالفاشية
الكتاب حرص إلى حد كبير على رصد أصول الفاشية في أقوال أصحاب العقائد المضادة للتنوير مثل يوسف دي ميستر ويوهان جورج هامان.
على عكس ما يظنه الكثيرون من أن الفاشية في أوروبا كانت مستندة في اكتساب شرعيتها إلى منطق القوة المادية فقط دون مساندة من فكر وكتابة، فإن عدداً كبيراً من قادة الفكر الأوروبي انضموا وتعاطفوا مع الفاشية السياسية بعد انحدار الديمقراطية عقب الحرب العالمية الأولى والكساد الاقتصادي عام 1929.
في كتابه "غواية اللامعقول (قصة الغرام الفكري بالفاشية)" يعرض ريتشارد وولين تجارب بعض الفلاسفة وعلماء النفس مثل نيتشه وكارل يونج وغيرهما.
بدأ الكتاب الصادر عن المركز القومي للترجمة في مصر بالحديث عن علاقة نيتشه بالزعيم النازي الأشهر هتلر، والتي تجلَّت بعد وفاة الفيلسوف الألماني بزيارة هتلر لمتحفه، إذ كانت مديرة المتحف وهي أخت نيتشه تحذف بعض الوثائق وتضيف أخرى مزورة لكي تظهر نيتشه بمظهر المساند للدولة النازية الألمانية، ومن بعد هذه الزيارة بدأ التعامل مع نيتشه في ألمانيا بمزيد من التقدير.
والكتاب الذي ترجمه الدكتور محمد عناني في طابعه البحثي الأكاديمي حرص إلى حد كبير على رصد أصول الفاشية في أقوال أصحاب العقائد المضادة للتنوير مثل يوسف دي ميستر ويوهان جورج هامان، في إشارة إلى أن الزعيم الألماني هتلر صاحب واحدة من أهم التجارب الفاشية وأقساها كان يرى أن من بين أهداف الفاشية طمس صورة العالم المستمدة من التنوير في القرن الـ19، ألا وهي الصورة التي تقول بهيمنة العلم، العقل، الديمقراطية، الاشتراكية، الفردية، وكل ما يرتبط بهذه المفاهيم.
ويورد الكتاب عبارة جوبلز وزير الإعلام الألماني، بعد تولي هتلر السلطة بشهور قليلة، والتي قال فيها "ها نحن محونا عام 1789 من التاريخ"، فالفاشيون أنفسهم كانوا قد تجاوزوا الحد الفاصل ولم ينظروا إلى الخلف قط، فقد كانوا يعرفون أن نقطة اللاعودة قد لاحت في عصر الحرب الشاملة، فأصبح من المحال العودة إلى شرنقة النظام القديم المرتبط بالتقاليد، ومن ثم اختاروا محاربة قيم الثورة الفرنسية بوسائل ثورية: ألا وهي العنف والحرب والتعبئة العامة، وبذلك بدأوا إقامة رؤية بديلة للحداثة، وكان القصد منها أن تحل محل موقف الفلاسفة والدعاة السياسيين المناصرين لعام 1789.
محمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، له ما يزيد على 75 عملاً بين التأليف والترجمة، من بينها 19 مسرحية لشكسبير، ترجمها شعراً ونثراً وفقاً للأصل، وملحمتي "الفردوس المفقود"، وغيرها من الأعمال المهمة. وله أيضاً كتب في النقد الأدبي أهمها "المصطلحات الأدبية الحديثة"، ومجموعة كتب قيمة في مبحث دراسات الترجمة، من أهمها "نظرية الترجمة الحديثة".
وحاز المترجم المصري الكبير وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، واختير خبيراً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وفاز بجائزة التفوق في الآداب وجائزة الدولة التقديرية في الآداب.
ومؤلف الكتاب هو أستاذ التاريخ والعلوم السياسية البارز، وهو متخصص في مبحث التاريخ العالمي للأفكار، مع التركيز على النظم الديكتاتورية والحركات السياسية لأقصى اليمين وأقصى اليسار، وله عدد من المؤلفات المهمة التي تتناول أفكار ودراسات متعمقة عن تاريخ القرن الـ20 الفكري والثقافي، وله مؤلفات عدة حول رصد المصطلحات الثقافية وعلاقتها بالنظم السياسة.