"مصريات عربية".. وصف مصر في كتابات المؤرخين والرحالة
مؤلفة الكتاب تؤكد وجود 3 مؤلفات تحمل عنوان "وصف مصر"، الأول لبنوا دي ماييه (1735) ثم موسوعة الحملة الفرنسية وبعدها كتاب إدوارد وليم لين
"مصر حالة نادرة السمات والقسمات، فهي فرعونية الجد ولكنها عربية بالأب، يمنح نيلها للبر قوته، فيما تستمد سواحلها قوتها من البحار، هي قلب العالم العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الأفريقي، تتأكد فيها الوسطية، فهي سيدة الحلول الوسطى".. هكذا كتب عالم الجغرافيا المصري البارز جمال حمدان في "وصف مصر"، وهو المنطلق الذي اتخذته الباحثة رضوى زكي كمدخل لكتابها "مصريات عربية" الصادر عن دار نهضة مصر في 272 صفحة.
المؤلفة متخصصة في الآثار الإسلامية وتعمل في مكتبة الإسكندرية بمركز دراسات الحضارة الإسلامية، وسبق ووصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب بمؤلفها "إحياء علوم الإسكندرية من اليونانية إلى العربية".
كما سبق ونالت جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة عن الكتاب نفسه والموجه للقارئ غير المتخصص.
يعد الكتاب رحلة بحث عن هوية مصر التي جاء الإسلام ليغيرها ويضيف إلى تراثها ليمثل قمة التراكم الحضاري والفكري لما سبقه من عصور.
واستمرت عملية تعريب مصر بعد دخول الإسلام لما يقرب من 400 سنة حيث ظل العامة متمسكين بلغتهم قبل التحول التام إلى اللغة العربية على المستويين الرسمي والشعبي.
مع مطلع العام الرابع الهجري والعاشر الميلادي صارت اللغة العربية لغة تواصل بين أهل مصر فيما اختفت تدريجيا اللغة القبطية وانحصر استعمالها في الطقس الديني.
أهم ما تشير إليه المؤلفة أن هوية مصر، وإن بدت في ظاهرها منفصلة بعضها عن بعض، إلا أن إحدى السمات الرئيسية في تكوينها هي التواصل، حيث استطاعت أن تجد لماضيها وتراثها وصفا جديدا مع المسيحية ثم الإسلام.
وتجادل المؤلفة في ظهور نمط للعمارة المصرية (مصري إسلامي) برز خلال العصر المملوكي وبلغ معه قمة النضج والكمال في العمارة العربية هو ما تسميه بـ"القالب المصري" للحضارة العربية.
وترى الكاتبة أن هذا النموذج تأثر ببنيان العمارة المصرية القديمة، وتشير إلى عمارة مسجد ومدرسة السلطان حسن بوصفها الدليل النموذجي على ما تطرحه، فهو جامع بين ضخامة البنيان ودقة الزخارف، فضلا عن تخطيطه الملائم للبيئة المصرية للحد الذي دعا تقي الدين المقريزي لوصفه بـ"المعبد".
فيما تتابع شغفها بهذا التصور بما تكتبه عن مميزات مآذن مساجد مصر التي تعد مثالا بارزا على تفرد الهوية.
وترصد في كتابها الصراع على هذه الهوية في العصر الحديث كما ترصد النقاشات التي دارت في مجال العمارة أوائل القرن الـ20، والتي أسفرت عن بروز تيار إحيائي للطراز الإسلامي في مواجهة تيار آخر عمل على إبراز الهوية الفرعونية مع صعود تيار القومية المصرية عقب ثورة 1919.
وتصر المؤلفة على استعمال تعبير "مصريات عربية" في عنوان الكتاب لأنها أرادت تحرير كلمة "مصريات" من الاستعمال الذي يربطها فقط بالعصر الفرعوني، وترى أنه مصطلح صالح للاستعمال لأنه يمثل أيضا "ماضي مصر العربية"، الذي كان داعما لاستمرار دورها الحضاري ومكونا رئيسيا في نسيج تراثها وجذور ثقافتها.
ومن ثم فإن الكتاب يبرز بعض عناصر خصوصية طابع مصر العربية، وهو ما يفسر وجود بعض الفصول وثيقة الصلة بماضي مصر الفرعونية ومنه فصل عن مدينة عين شمس، وآخر عن الأساطير الشعبية المرتبطة بالتوابيت المصرية التي كانت مصدر حيرة العرب عند دخول مصر، ولم يكن الأصل الوثني للآثار القديمة ذا أهمية كبرى في نظر المؤرخين العرب الأوائل ولم يدفعهم ذلك الأصل إلى نبذ الآثار القديمة أو تجاهلها وتحريمها بل جنحت الثقافة الشعبية إلى الاعتقاد بسحر الآثار المصرية وقدراتها على جلب المنافع ودرء الخطر.
وتشتغل المؤلفة في أغلب فصول الكتاب على هذا التداخل بين المكون الثقافي والحضاري وعلاقته بأنماط الثقافة الشعبية كما تنعكس في الممارسات والسلوك والعادات وثيقة الصلة بالتراث الاجتماعي المصري.
وأول ما تبحث فيه المؤلفة أصل استعمال الرحالة لتعبير "أم الدنيا" في وصف مصر وفضائلها، مشيرة إلى شيوع تقليد بين المؤرخين والرحالة عند الكتابة عن تاريخ مصر حيث كانوا يبدأون بذكر فضائلها.
وتكتب المؤلفة في أحد فصول الكتاب تصورا بانوراميا لتاريخ القاهرة في عهودها المختلفة يزكي فكرة اختلاف المدينة وطابعها الغرائبي عبر التاريخ، وهو الطابع الذي تؤكده في تناولها لقصة "باب زويلة" وبوابة المتولي في منطقة الدرب الأحمر.
وتصل المؤلفة إلى العصر الحديث نافية أن يكون علماء الحملة الفرنسية هم أول من اهتم بوصف مصر، مؤكدة وجود 3 مؤلفات تحمل كلها عنوان "وصف مصر"، الأول للقنصل الفرنسي بنوا دي ماييه (1735)، ثم جاءت موسوعة الحملة الفرنسية المعروفة، وبعدها ظهر كتاب وصف مصر للمستشرق الشهير إدوارد وليم لين، وتم نشره عام 2000 عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
aXA6IDE4LjIxOS4xNzYuMjE1IA== جزيرة ام اند امز