كتاب جديد يضم مقالات محمود درويش عن القضية الفلسطينية
مقالات الكتاب تغطي نحو عقد من الزمان، وقعت فيه أحداث أسهمت في تحديد مصير الفلسطينيين، شعباً وقضية، على مدار عقود لاحقة
صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، كتاب جديد عن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، يضم مقالات مجلة اليوم السابع التي كانت تصدر نهاية الثمانينيات، وتوقفت بعد غزو الكويت عام 1990، واختار المقالات وحررها الكاتب الفلسطيني حسن خضر.
وتغطي مقالات الكتاب نحو عقد من الزمان، وقعت فيه أحداث أسهمت في تحديد مصير الفلسطينيين، شعباً وقضية، على مدار عقود لاحقة. ما بين الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، ومؤتمر مدريد للسلام 1991، والانشقاق الكبير في حركة فتح 1983، وحرب المخيمات 1985، واندلاع الانتفاضة الأولى 1987، وإذاعة منظمة التحرير الفلسطينية، في الجزائر، وثيقة إعلان الاستقلال 1988.
وقال خضر في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "لا يعرف الجيل الجديد من الفلسطينيين والعرب مقالات أسبوعية واظب محمود درويش على نشرها في مجلة اليوم السابع الباريسية في ثمانينيات القرن الماضي، التي أنشأها مناضل وطني ومثقف كبير هو بلال الحسن".
وجاء في مقدمة الكتاب: "تستمد هذه النصوص أهميتها من حقيقة أن صاحبها محمود درويش، وإذا كان في هذه الدلالة ما يكفي لتبرير إعادة نشرها، إلا أنها لا تختزل ما تنطوي عليه النصوص من دلالات إضافية. فإلى جانب النثر البديع، واللغة التي لا يخبو بريقها بالتقادم، ثمة شهادة على فترة بالغة الحساسية في تاريخ الفلسطينيين، وهموم الشاعر ومشاغله الشعرية والسياسية، والمعيشية أيضاً".
ولأسباب وثيقة الصلة بما نجم عن الاجتياح الإسرائيلي من تداعيات مباشرة وبعيدة المدى، بما فيها خروج منظمة التحرير بقيادتها، ومؤسساتها، وقواتها، من بيروت، التي كانت أوّل عاصمة عربية يحتلها الإسرائيليون، شهدت تلك السنوات أيضاً، إقامة محمود درويش في باريس، وصدور مجلة أسبوعية، دعمتها منظمة التحرير باسم "اليوم السابع"، وأسس المجلة وترأس تحريرها بلال الحسن.
واختار المحرر عدم التقيّد بالتسلسل الزمني للمقالات، لأن عدداً منها يكمل بعضه، ولم يتقيّد محمود درويش فيها بملاحقة الجاري من الأحداث، بل تعددت وسيلته التعبيرية في التفاعل معها أيضاً: ما بين المقالة والقصيدة والمذكّرات، والتعليقات السريعة، ومداخلات قدمها في مناسبات معيّنة، وأعاد نشرها في "اليوم السابع"، كما فعل مع بعض افتتاحيات مجلة "الكرمل" التي كانت تصدر تحت رئاسته.
ووفقاً لـ"خضر"، فإن "عين محمود درويش لم تحد عن، ولم تكف عن التحديق في المشهد الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فكلاهما وثيق الصلة بالآخر، يدل عليه، ولا يحضر من دونه".
ووصف المحرر بعض نصوص الكتاب بأنها "تمارين شعرية" لم يُعد نشرها، كما في "خطاب الدكتاتور الموزون"، وفي قصائد نشرها في المجلة وأعاد نشرها في ديوان "ورد أقل"، وفي "مأساة النرجس وملهاة الفضة"، وفي فصول ظهرت في المجلة، وأعاد نشرها في "ذاكرة للنسيان"، وفي ومضات كثيرة ومتناثرة سنجدها لاحقاً في "خطبة الهندي الأحمر"، إضافة إلى بعض افتتاحيات "الكرمل" التي أعاد نشرها في "اليوم السابع".
وتحقق نصوص الكتاب فائدة مزدوجة، الأولى للباحث في البطانة السياسية والمعرفية لمُنجز محمود درويش الإبداعي، والثانية للباحث في تجليات الموقف النقدي من إسرائيل والصهيونية، ومسألة العداء للسامية، وهوية وماهية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، في خطاب الثقافة الوطنية الفلسطينية، التي كان من أبلغ وأبرز ممثليها على مدار عقود طويلة.
واختار خضر عنوان "فضاء الآخر"، للقسم الأول الذي يعالج هوية وماهية إسرائيل كدولة، والصهيونية كأيديولوجيا سياسية، وأوهام واستيهامات ثقافية، وكلاهما كان هاجساً معرفياً وسياسياً، رافق محمود درويش على مدار 6 عقود من الزمن، منذ صدمة النكبة، التي عاشها طفلاً، في عام 1948، حتى أيامه الأخيرة في عام 2008.
أما القسم الثاني الذي عنونه بـ"كتاب المراثي"، فيضم نصوصاً كتبها في وداع شخصيات فنيّة وثقافية وسياسية فلسطينية وعربية، عرفها عن قرب وفارقت الحياة وهي مفيدة للباحث في السير الأدبية والفكرية والسياسية لهؤلاء، ففي كل "رسالة وداع" كتبها محمود درويش تتجلى محاولة من جانبه لتعيين مفتاح خاص وفريد، يفتح باب السيرة للعثور على ما وسم صاحبها من خصوصية، لا في سياق العلاقة الشخصية بين الاثنين وحسب، ولكن في سياق مكان ومكانة الراحل في الحقل العام، أيضاً.
ويشمل القسم الـ3، وهو بعنوان "سهم في الخاصرة"، تناول الشاعر الراحل في أغلب النصوص لفكرة صراع البقاء، وإرادة البقاء على قيد السياسة والحياة، أي كل الجبهات والساحات التي قاتلت فيها وعليها منظمة التحرير الفلسطينية، في ذلك الوقت، وكانت السمة الرئيسة لعشرية الثمانينيات.
وترد في الكتاب أصداء صرخة من نوع "يا وحدنا"، التي أطلقها محمود درويش، في زمن حصار بيروت 1982، وتجد ما يُفسّرها ويبررها في مذبحة تل الزعتر، وحرب المخيّمات.
ويرى "خضر" أن "في هذه النصوص ما يمكّن الباحث في صراع الوطنيين الفلسطينيين من أجل البقاء، وفي طريقة تفكيرهم في تداخل العلاقة بين الوطني والقومي، ومعاني الوحدة الوطنية، من العثور على تجلياتها في زمان ومكان محددين، لا في صيغة بيانات، ومواقف رسمية، بل في نصوص محمود درويش، الصوت الأكثر تعبيراً ونفوذاً في صياغة معنى حضور شعبه في الزمان والمكان، وأحد كبار مهندسي الهوية، وصنّاع الخطاب العام".
ومن المعروف أن محمود درويش كان عضواً في مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية منذ 2002، وحتى وفاته في عام 2008.
aXA6IDMuMTM1LjIyMC4yMTkg جزيرة ام اند امز