"قربة الماء".. ثلاجة فرعونية منذ عصر ما قبل الأسرات
كشفت دراسة مصرية أن القربة بشكلها المتعارف عليه عرفها الفراعنة منذ عصر ما قبل الأسرات.
وعادة ما يرتبط ظهور "قربة الماء" في الأذهان، وهي الوعاء الذي يستخدم بشكل طبيعي لحفظ المياه، بالحضارات القديمة التي جاءت بعد الحضارة المصرية.
وتصنع القربة من جلد الحيوانات بشكل عام، وجلد الماعز والأغنام والبقر بشكل خاص، حيث كان يتم غلقها بإحكام من أحد طرفيها، بينما يتم ربط الطرف الآخر بواسطة حبل أو يوضع بداخله سدادة خشبية، ثم يتم تعليقها في وضعية أفقية على شجرة أو يتم تعليقها بوضعية رأسية على وتد، أو حملها على الظهر.
ويقول رضا عطا الله، المدرس بكلية الآثار جامعة الأقصر في دراسته التي تناولت "قربة الماء" بمصر الفرعونية، ونشرت في العدد الأخير من مجلة " اتحاد الأثريين العرب"، إن أغلب الآراء ترجح ظهورها منذ عصر ما قبل الأسرات، وما يؤكد ذلك هو معرفة المصري القديم باستخدام الجلد في تدثير موتاه خلال عصر نقادة الأولى، واتضح معالم ذلك خلال عصر التأسيس، من خلال معرفة المصري القديم لاستخدام الجلد في حفظ السوائل، حيث عثر على عدد من سدادات القرب المصنوعة من العاج أو الحجر لسد فوهاتها، كما ظهرت قربة الماء محمولة على ظهور صيادي البراري ضمن تجهيزات حملة الصيد البري.
من القديمة إلى الحديثة
ويمضي عطا الله في دراسته موضحا الدلائل التي تشير لظهور قربة الماء في العصور التالية، حيث ظهرت في الدولة القديمة مستطيلة الشكل، مقطوعة الرأس معلقة من طرفيها الأماميين والخلفيين، بحيث قيدا معاً بواسطة حبل تحمل منه، وهي تبدو شبيهة بالقربة التي يستعملها السقاءون في الوقت الحاضر.
ويشير إلى بعض المشاهد التي تصورها في عصر الدولة القديمة، ومنها مشهد في عصر الأسرة الثالثة للملك " زوسر"، أثناء زيارته للمقصورة الخاصة بـ"حور بحدت"، وهي أحد الطقوس التي كانت تؤدى في احتفال شعبي، حيث يظهر خلف الملك ما يشبه القربة الحيوانية المعلقة علي وتد.
ويواصل عطا الله استعراض ظهور القربة في العصور التالية، ففي عصر الدولة الوسطي، خاصة خلال عصر الأسرة الثانية عشرة، ظهرت قربة الماء، لاسيما الصغيرة منها، موضوعة علي الأرض داخل وعاء خشبي صنع خصيصا من أجلها، وكان ذلك في عدد من المناظر التي تمثل تقديم القرابين والهبات لصاحب المقبرة، أو لحاكم الإقليم، كما هو الحال في مقبرة "خيتي" في بني حسن بمحافظة المنيا بصعيد مصر.
وخلال نفس العصر، تظهر قربة الماء محمولة علي الأكتاف، لاسيما في مناظر الصيد والتعدين، خاصة خلال عصر الأسرة الثانية عشرة، كما هو الحال في مقبرة "سبني الأول"، كما تظهر ضمن تجهيزات الوفود القادمة إلي مصر لاسيما البدو الترحال، ومنها المنظر المميز لأحد بدو (العامو) بمقبرة "خنوم حتب الثاني" ببني حسن.
أما في عصر الدولة الحديثة فقد ظهرت القربة بشكل أكثر وضوحا في المناظر المصورة، حيث صورت في العديد من المجالات الحياتية المختلفة لاسيما في مناظر الأعمال والأشغال بشكل عام، والشاقة بشكل خاص.
ويقول عطا الله، إن أحد مناظر حصاد الأرض وتذرية المحصول بواسطة مجموعة من عمال الأرض تظهر أحد هؤلاء العمال في منتصف المنظر وهو يلتقم فوهة قربة ماء معلقة من أطرافها الأربعة المعقودة علي جذع شجرة ليروي ظمأه.
ويضيف أن قربة الماء ظهرت أيضا في مناظر استراحة العمال بعد يوم عمل شاق تحت ظل شجرة علقت بها قربة ماء، كما ظهرت ضمن مناظر الغناء والعزف كأحد وسائل ري الظمأ.
تبريد الماء
وكان المصري القديم ينظر إلى القربة إضافة لكونها وسيلة لحفظ الماء كوسيله لتبريده، فهي أشبه بالثلاجة في الوقت الحاضر.
ويقول عطا الله في دراسته: "نظرا لسوء الأحوال الجوية وارتفاع درجة الحرارة، فقد كان المصري القديم يولي مياه الشرب عناية خاصة، حيث كان يحافظ علي برودتها داخل أوعية وقرب جلدية".
وإلى جانب هذا الاستخدام الأشهر، كانت تستخدم لحفظ النبيذ، ونقل الماء عبر الصحاري وإلى الأراضي الزراعية، كما كانت تقدم ضمن القرابين والطقوس الدينية.
aXA6IDE4LjIyNy4yMDkuMjE0IA== جزيرة ام اند امز