عيد العمال في زمن الفراعنة.. حفاوة عكستها جدران المعابد
على جدران المعابد نقشت رسومات تشير إلى قيمة العمل لدى المصريين باختلاف الطبقات الاجتماعية ووضع نظام إداري تتدرج فيه الوظائف
تكشف الآثار المصرية القديمة حقائق عدة عن الفراعنة ومعتقداتهم، من بينها تقديسهم العمل وحرصهم على منح العمال حقوقهم، ويظهر ذلك جليا بتشييد المدن والمقابر لهم ونقش أسمائهم على جدران المعابد.
وبالتزامن مع إحياء عدد كبير من دول العالم "عيد العمال"، الذي يحل مطلع مايو/أيار من كل عام، يسلط "العين الإخبارية" الضوء على تقديس الفراعنة العمل والاهتمام بالعمال قبل 5 آلاف عام.
تقسيم المهام
على جدران المعابد نقشت رسومات تشير إلى قيمة العمل لدى المصريين باختلاف الطبقات الاجتماعية، ووضع نظام إداري تتدرج فيه الوظائف، بداية من الملك على رأس الدولة والمسؤول عن إدارة شؤون البلاد، وصولا إلى الوزير والكهنة والعمال الذين شاركوا في بناء الحضارة الفرعونية.
وامتلك الحاكم الفعلي للبلاد "الملك" مقاليد السلطات التشريعية والتنفيذية والعسكرية، إضافة للإشراف على الكهنة والسلطة الدينية والنيابة عن الآلهة بمصر القديمة، ما مكن ملوك الفراعنة من بناء دولة قوية على مدار الأسرات المختلفة.
وعلى الرغم من أن أغلب السلطات كانت بيد الملك، فإن كبار الموظفين كانوا يمثلون الطبقة الوسطى الفعالة بالمجتمع وتتكون من الأشراف والوزير والكتبة والكهنة والأطباء والفنانين، بحسب كتاب "100 حقيقة مثيرة في حياة الفراعنة"، لعالم المصريات زاهي حواس.
وكان الوزير يعمل كرئيس جهاز الحكومة المركزية، وهي أعلى رتبة بعد الملك، وهو المسؤول عن العاملين في الدولة ومتابعة الحياة اليومية.
وأوكل للكهنة مهمة الوقوف أمام المعابد وتقديم الطقوس والشعائر الدينية، وأسند للكاتب دور بالغ الأهمية لتسجيله جميع تفاصيل الأعمال الإدارية، لذا نحتت تماثيل الكاتب المصري وهو جالس لتدوين الحياة اليومية وممسكا بالورق البرد والقلم.
كما اهتمت طبقة الأعيان بتحديد مهام الخدم الذي يعملون في منازلهم، وأسند إليهم الأعمال المنزلية من الطبخ والتنظيف وغسل الملابس.
ولا يستطيع أحد أن يغفل دور العمال في بناء الحضارة المصرية وتخليدها حتى يومنا هذا، بتشييد الأهرامات والمقابر والمعابد في مختلف المدن المصرية ببراعة.
ونظرا لحب الفراعنة الجم للعمل، فكان أسبوع العامل يتكون من 9 أيام، واليوم العاشر للراحة، وتصبح الشهور الثلاثة الأخيرة من كل عام هي فترة البناء والتشييد لتوقف العمل في الحقول.
وخلال الفترة من يناير/كانون الأول وحتى أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، كان يكثر العمل بالزراعة حتى قدوم فصل الفيضان، وفي تلك الفترة كان المصريون يتجهون إلى العمل بالتجارة والصناعة أو الصيد.
إتقان العمل
حب العمل وصية تناقلها الفراعنة على مدار الأسرات، وحث الملك تحتمس الثالث الوزير "رخمي رع" على إتقان العمل وإقامة العدل وأن يحسن إدارة أمور البلاد، وفق ما كشفته النصوص المحفورة في مقبرته بمقابر النبلاء بالبر الغربي بالأقصر (جنوبي مصر).
وحملت أيضا تعاليم الوزير "بتاح حتب" وصية بضرورة العدل بين الموظفين في العمل، وإرشادات لطريقة التعامل بين المدير والموظفين لإتمام العمل بشكل جيد.
وتضمنت النصوص الذاتية لكبار موظفي الدولة، تفاصيل عن حياتهم العملية والاهتمام بالعمل من أجل الخلود واستمرار وصول القرابين إلى مقابرهم في العالم الآخر.
حقوق العمال
نظرا لدور العمال في بناء الأهرامات والمقابر، حرص الملوك على تقديرهم ومنحهم الحقوق بداية من بناء مدن خاصة وتوفير نظام صحي وصولا إلى تشييد مقابر لهم.
وأوضحت الاكتشافات الأثرية الحديثة في منطقة وادي الملوك بالأقصر ومنطقة الأهرامات بالجيزة عن الوضع الحقيقي الذي تمتع به العمال في ظل مصر الفرعونية.
وفي شهر مارس/آذار، عثرت البعثة المصرية العاملة بوادي الملوك برئاسة زاهي حواس على 200 أوستروكا، وهي عبارة عن قطع حجرية وفخارية مدون عليها كتابات تشير إلى العمال الذين شيدوا مقابر وادي الملوك.
ووجدت بالقرب من الأهرامات، رفات لبناة الأهرامات التي تحمل علامات الإصابة بالكسور وخضوعها لعلاج، إضافة إلى الكشف عن بقايا لهياكل عظمية حيوانية وبقايا أسماك، ما يعني حرص الملوك على توفير نظام صحي وغذائي مناسب للعمال أثناء تأدية عملهم.
وشيدت "دير المدينة" بالبر الغربي بالأقصر سكن للعمال وبناة المقابر لتحسين ظروفهم المعيشية، واهتم الملك تحتمس الثالث أحد ملوك الأسرة الـ18، بإعادة تشييد مدينة العمال مرة أخرى عقب تعرضها للهدم بعد نشوب حريق بها.
وبالقرب من الأهرامات، بنيت مقابر للعمال على هيئات مصاطب مستطيلة الشكل، ما يؤكد حرص المصري القديم على تخليد ذكرى العمال لمكانتهم في الحضارة المصرية القديمة.