إعادة محاكمات رموز بوتفليقة.. تسوية سياسية أم تحقيق للعدالة؟
شهدت الجزائر منذ النصف الثاني من الشهر الماضي قرارات قضائية مفاجأة، قضت بقبول الطعن بالنقض الخاصة بالأحكام النهائية الصادرة ضد أركان نظام الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة.
قرارات أثارت الكثير من الجدل في الجزائر، وطرحت معها تساؤلات عن توقيتها ودلالاتها، وإن كانت تحمل في طياتها "صفقة أو تسوية سياسية معينة" داخل دهاليز الحكم بالجزائر لإعادة تموقع أجنحة النظام، أو أن الأمر مرتبط بتحقيق للعدالة، خصوصاً بعد أن أجمعت لوائح هيئات الدفاع على أن قضاياهم كانت "مسيسة".
- محاكمة شقيق بوتفليقة في اتهام بالتأثير على قرارات القضاء
- في يوم واحد.. وزيرتان من عهد بوتفليقة بالحبس المؤقت
آخر تلك القرارات الصادرة عن المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية بالجزائر) كانت، الأربعاء، بإعادة النظر في التهم الموجهة للمرشح الرئاسي السابق والجنرال المتقاعد علي غديري وأحالت ملفه من جديد إلى محكمة "الدار البيضاء" بالعاصمة، وفق ما أعلنت عنه هيئة دفاع المتهم.
ويتابع "غديري متهم بتهم ثقيلة تتعلق بالخيانة وتقديم معلومات اقتصادية سرية لجهة أجنبية"، وكذا "إحباط معنويات الجيش"، وسط توقعات بتبرئته من التهم المنسوبه له، فيما أسقطت عنه تهمة التخابر في 10 يونيو/حزيران الماضي، بعد أن أودع السجن المؤقت في 14 يونيو 2019.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، قبلت المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية بالجزائر) الطعن بالنقض الذي تقدمت به هيئة الدفاع عن المتهمين الثلاثة الصادرة عن مجلس الاستئناف العسكري بمحافظة البليدة، وإعادة إحالة الملف على هيئة قضائية جديدة ومؤقتة.
وكانت محكمة البليدة العسكرية قد دانت في ديسمبر/كانون الأول 2019، ذاتها المتهمين بالسجن 15 سنة نافذة بعد أن تم توقيفهم في مايو/أيار من العام ذاته، عقب إطاحة الحراك الشعبي بنظام بوتفليقة وأجبرته على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان 2019.
يأتي ذلك، فيما مثُل، الأحد، السعيد بوتفليقة للمرة الأولى أمام قاضي التحقيق المتخصص في الجرائم المالية والاقتصادية بمحكمة "سيدي أمحمد" في العاصمة، حيث استمع لأقواله في قضية فساد وتزوير تتعلق بقضية وزير العدل الأسبق المقرب منه الطيب لوح.
وبالتوازي مع ذلك، وافقت أيضا المحكمة العليا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني بشكل مفاجئ على الطعن بالنقض المقدم من هيئة دفاع رئيسي الوزراء الأسبقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال في الأحكام الصادرة عن مجلس قضاء الجزائر.
وتعلقت الأحكام النهائية بعدة قضايا فساد تتعلق أساساً بمصانع تجميع السيارات الأجنبية والامتيازات الممنوحة لها، وكذا التمويل الخفي لحملة بوتفليقة غداة ترشحه لولاية خامسة فبراير/شباط 2019 لانتخابات الرئاسة الملغاة، التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان من السنة ذاتها.
وأدانت محكمة "سيدي أمحمد" أويحيى وسلال بنحو 50 سنة سجناً في عدة قضايا فساد.
صفقة أم عدالة؟
وأثار قبول المحكمة الطعن بالنقض المقدم من قبل هيئة دفاع أركان نظام بوتفليقة لإعادة محاكمتهم من جديد في قضايا فساد وأخرى تتعلق بالأمن العام، جدلا في الجزائر.
واعتبره متابعون بالمؤشر على وجود صفقة تحت الطاولة بين أجنحة السلطة الجزائرية لإعادة ترتيب البيت الداخلي، تضمنت تنازلات سياسية، خصوصا أن محاكمتهم كانت من أبرز مطالب الحراك الشعبي الذي خرج في فبراير/شباط 2019 بمحاسبة رموز النظام السابق واستعادة الأموال المنهوبة في عهده.
واعتبر حقوقيون أن الأحكام الصادرة بحق هؤلاء خصوصاً ضد رئيس جهاز المخابرات الأسبق كانت بناء على "خلافات شخصية وتصفية حسابات بين قيادة الأركان السابقة وصقور المخابرات السابقين".
الخبير القانوني عامر رخيلة والعضو السابق بالمحكمة العليا الجزائرية أشار في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن قبول المحكمة العليا الطعن بالنقض يتعلق بـ"قضية واحدة من أصل قضايا أخرى بها تهم أخرى لا يزال التحقيق جارياً فيها".
وأضاف أن ذلك "لا يعني صدور أحكام بالبراءة بشكل قطعي، وبالتالي نحن أمام إما تأييد الحكم وإما إلغاؤه في قضية واحدة وليس مجموعة من القضايا".
واعتبر أن المحكمة العليا تمارس مهامها بشكل قانوني، ونوه في المقابل بأنه "من حق النائب العام الطعن في أي حكم قضائي بالبراءة، وإذا لم يكن محبوساً لتهم أخرى يتم الإفراج عنه".
واستبعد العضو السابق بالمجلس الدستوري الجزائري تبرئة رموز النظام السابق في قضايا الفساد ونهب المال العام، استنادا إلى "الأدلة الكثيرة التي تم التوصل إليها عن حجم التلاعب ونهب المال العام"، وأشار إلى أن "ملف متابعتهم لا يزال متواصلا".
إلا أنه نوه بـ"وجود مؤشرات توحي سعي بعض الأطراف لوقف هذه المتابعات القضائية"، مشيرا في السياق إلى "ارتفاع أصوات للأسف حتى داخل ما تبقى من الحراك تطالب بإطلاق سراح أغلب المتهمين من النظام السابق وإحقاق العدالة العادلة".
وختم بالإشارة إلى أن ذلك "يؤكد أمرا واحدا، وهو بقاء الثورة المضادة في مجال محاربة الجريمة الاقتصادية".