تقرير.. البوكسينج داي.. يوم له تاريخ
الرياضة الإنجليزية بالكامل وليس كرة القدم فقط تشارك في الـ"بوكسينج داي".. فما هو هذا اليوم ولماذا تمت تسميته بهذا الاسم؟
البوكسنج داي.. Boxing Day ومعناه.. يوم الصناديق، أي متابع لكرة القدم الأوروبية عموما والإنجليزية خصوصا يعرف هذا الاسم جيدا.. ويعرف أيضا أنه يطلق على يوم 26 ديسمبر/كانون الأول في كل عام، حيث تقام كل مباريات "الجولة رقم 18" من الدوري الممتاز الإنجليزي "البريمييرليج" في يوم واحد، حتى أن كل المباريات تبدأ - تقريبًا - في نفس الوقت، لكن لماذا يغرد الدوري الإنجليزي وحيدًا بينما كل دوريات أوروبا في عطلة.. وما أصل هذا التقليد؟
تاريخيًا لا يوجد اتفاق تام على أصل تسمية 26 ديسمبر/كانون الأول من كل عام بهذا الاسم، وإن كانت كل الروايات – تقريبا - دارت حول هدايا عيد الميلاد، التي تقدم في صناديق، البعض ذهب إلى انها هدايا الأغنياء للفقراء.. والبعض قال إنها هدايا سيدات البيوت للخادمات.. والبعض قال إنها هدايا الأصدقاء وأفراد العائلة لبعضهم البعض.. وأعادها البعض لصناديق الهدايا التي تتركها الكنائس على أبوابها ليلتقطها الفقراء والمحتاجون.
ونخلص أن اليوم المقصود هو 26 ديسمبر/كانون الأول، وأن التسمية تخص الصناديق التي تضم هدايا عيد الميلاد، حتى أن البعض يبرر التسمية بانقضاء أغلب هذا اليوم في جمع الصناديق الفارغة التي كانت تضم هدايا الأمس، فهو اليوم التالي ليوم الكريسماس.
يبقى المتفق عليه هو أن الاعتراف بهذا اليوم كعيد رسمي كان سنة 1871م، وأن هذا العيد موجود في أغلب الدول التابعة للتاج البريطاني إن لم يكن جميعها، هذا على مستوى الاحتفالات والعطلة الرسمية، إنما على المستوى الرياضي عموما والكروي خصوصا فالأمر مختلف بعض الشيء، وأيضًا يحتاج لنبذة تاريخية سريعة.
يعود هذا التقليد لما قبل تنظيم الدوري الإنجليزي نفسه في أواخر القرن الـ19، حيث أقيمت مباراة بين فريقي شيفيلد يونايتد وفريق هالام في هذا اليوم من عام 1860م، أي قبل انطلاق النسخة الأولى من الدوري الإنجليزي بأكثر من رُبع قرن، واستمر التقليد ساريا حتى بعد إطلاق الدوري الإنجليزي ووضع مواعيد ثابتة من كل أسبوع للعب فيها - العطلة الأسبوعية -، فأيا ما كان يوم 26 ديسمبر/كانون الأول تنطلق مباريات الدوري في كافة درجاته من الممتازة وحتى الدرجة الرابعة في نفس اليوم، وتقريبا في نفس التوقيت.
الرياضة الإنجليزية بالكامل وليس كرة القدم فقط تشارك في الـ"بوكسينج داي".. فتنظيم المباريات والمنافسات الرياضية المتنوعة في هذا اليوم هو تقليد بريطاني راسخ، ويمتد النشاط الرياضي المحموم ليشمل الرجبي والملاكمة ومسابقات الخيول وغيرهم من الألعاب الرياضية ذات الشعبية في المملكة، لتعج كل الملاعب بالحياة والجماهير في نفس اليوم ولو لمرة واحدة في العام، هو يوم الـ"بوكسينج داي".
شهدت هذه التظاهرة الرياضية بعض التعديلات في عملية تنظيمها، فقد كانت هذه المباريات المجمعة وحتى عام 1959م تقام يوم الكريسماس نفسه، 25 ديسمبر، قبل أن يتم ترحيلها لتقام في اليوم التالي مباشرة، كما كان الاتحاد الإنجليزي يتدخل بشكل رسمي لتسمية الفرق المتنافسة في هذه الجولة من الدوري الإنجليزي، لضمان أن تكون كل المباريات تضم فرقا من نفس المدينة أو مدن متقاربة جدًا لضمان عدم اضطرار الجماهير للسفر مسافات طويلة في مثل هذا اليوم الاحتفالي، خاصة أن أغلب الخدمات والمرافق تخفض طاقة عملها خلال فترة الأعياد بسبب إجازات العاملين بها، ثم جاء التعديل التالي بسبب الدربيات.
سياسة اختيار الفرق المشتركة في ذات المدينة أو أقرب مدينة ممكنة للعب ضد بعضها في خلال هذا اليوم أدت لزيادة مباريات الدربي خلال جولة واحدة، وهي المباريات المعروفة بشدة المنافسة فيها بين الجماهير، بالإضافة لكون معدلات شرب الكحوليات ترتفع في الأعياد عن الأيام العادية، فكثير من الدربيات مع كثير من الخمور وكثير من الحماس والمنافسة، كانت الواقعة في عام 1979م، حين وقعت صدامات كبيرة بين مشجعي فريقي مدينة شيفيلد، والتي أسفرت عن العديد من المصابين وعمليات التخريب، ما اضطر قوات الأمن للتدخل بقوة للفصل بين الجماهير لتنتهي الأعياد في المدينة، وهناك 50 مشجعا مقبوضا عليهم غير من هم في المستشفيات أو مصابين في منازلهم.
منذ إعادة هيكلة الدوري الإنجليزي الممتاز في شكله الجديد تحت مسمى البريمييرليج لم يعد الـ"بوكسينج داي" يقتصر فعليا على يوم واحد فقط، لكن ولأن لابد من لعب باقي الجولات السابقة والتالية في مواعيدها العادية، فكل فريق يلعب خلال أسبوع الأعياد 3 مباريات، الجولات 18 - 19 - 20، بواقع مباراة كل 3 أيام وليس مباراة كل أسبوع كما هو الأمر في باقي الموسم، لتنعم الجماهير بفرجة كبيرة وممتعة طوال فترة العطلة، خاصة أن أغلب المرافق الأخرى تكون أيضًا في حالة إجازة ولا يبقى - تقريبا - غير الرياضة عموما والكرة خصوصا كمتنفس للمتعة والاستمتاع بالإجازة، لكن الأمر يشكل ضغطا وعبئا على اللاعبين وعلى الأندية المتنافسة وعلى قدرتها على المواصلة لتحقيق أهدافها في نهاية الموسم، ما خلق أعداء كثرا لهذا النظام.
المدربون غير الإنجليز هم أكثر الممتعضين من هذا الاسبوع الاحتفالي، فهم جاءوا بهدف المنافسة والبحث عن البطولات خصوصا وتحقيق أهداف إدارة فرقهم، وبطبيعة الحال من الصعب جدًا على أي فريق أن يمر من الجولات الثلاث بدون خسائر على مستوى النقاط أو حتى على مستوى إصابات اللاعبين، ومن ينجو من هذا الأسبوع بأقل خسائر يستحيل أن ينجو من الإرهاق الذي سيصيب لاعبيه، وهو ما يدفع البعض بالقول إنه أحد أسباب تألق الفرق الإنجليزية في الأدوار الأولى من البطولات القارية ثم عدم قدرتها على المواصلة إلا بمعاناة شديدة.
وقد برر بعض المديرين الفنيين - الساخطين على هذا التقليد الإنجليزي الكلاسيكي - خروجهم من البطولات الأوروبية بحالة الإرهاق التي تختص بها الأندية الإنجليزية نفسها عن سائر أندية أوروبا التي تتوقف المنافسات فيها طوال فترة الأعياد، بل إن بعضها يتجاوز الأسبوع بكثير، فالدوري في فرنسا وألمانيا مع حلول الكريسماس يتوقف لمدة 6 أسابيع كاملة، في حين يمتد التوقف في بعض دول شرق القارة حتى منتصف شهر مارس.
وقد شهدت المواسم الماضية عدة شكاوى من مديرين فنيين يقترحون إلغاء هذا التقليد الإنجليزي الكلاسيكي الصميم، بينما شهد هذا العام انضمام الدوري الإيطالي "الكاليتشو" لتجربة الـ"بوكسنج داي"، وكأن هذا التقليد العتيق يقف في وجه رافضيه متحديًا.
طوال تاريخ الـ"بوكسينج داي" استمتعت الجماهير بمباريات ممتعة ومثيرة، لكن يبقى اليوم الأعلى تهديفا في تاريخ هذا اليوم كان خلال موسم 1963-1964م، حين سُجل 66 هدفا في منافسات الدرجة الأولى وحدها، وكانت كبرى المفاجآت هزيمة مان يونايتد أمام بيرنلي بهدف واحد مقابل نصف دستة أهداف كاملة.
جدول الـبوكسينج داي هذه المرة مزحوم جدا بالمنافسات بسبب انضمام الدوري الإيطالي للتجربة، بالتالي سيشهد اليوم 9 مباريات في الدوري الإنجليزي بالإضافة إلى 10 مباريات في الدوري الإيطالي.