البرازيل وأوكرانيا.. وسيط "غير منحاز" يملك مفاتيح وقف حرب
منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، حيرت عودة ظهور "سياسة عدم الانحياز" في الجنوب العالمي المسؤولين الغربيين.
وتبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها في حيرة من أمرهم بسبب رفض العديد من الدول في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية الانضمام إلى حملة العقوبات ضد روسيا أو إرسال أسلحة إلى أوكرانيا.
- زيلينسكي في فنلندا.. و"نجمة الشمال" تنشد "هلال" أوكرانيا
- محاولة "اغتيال" بوتين.. هل تداركت أوكرانيا "معركة الربيع"؟
وبحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يوصف حياد العديد من دول أمريكا اللاتينية – وعدم استعداداها لأن تصبح أطرافا متحاربة فعلية في حرب أوروبية – بـ"المخزي"، إن لم يكن "إخفاقا أخلاقيا".
ويذهب البعض حتى إلى القول إن موقف المنطقة غير المنحاز يعرض النظام الدولي القائم على القواعد للخطر. وكانت الأعين تحديدا على البرازيل – أكبر بلد في أمريكا اللاتينية وذات العيار الدبلوماسي الثقيل – بسبب موقفها بشأن أوكرانيا.
وفي حين تعهدت الولايات المتحدة بدعم الحرب في أوكرانيا، ضغط الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا من أجل هدنة وحل سلمي للصراع، لكن تسببت بعض التصريحات التي أدلى بها لولا في انتقادات داخل واشنطن.
ومع ذلك، تظل البرازيل، بحسب التحليل، الدولة الأفضل وضعا للعمل كوسيط نزيه لإنهاء الحرب في أوكرانيا – ويرجع ذلك تحديدا إلى رفضها الانحياز إلى أحد الأطراف.
وعمل لولا على مقترح السلام الخاص به بسرعة بعد تنصيبه في يناير/كانون الثاني. وخلال زيارة أجراها إلى واشنطن في فبراير/شباط، اقترح على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تشكل البرازيل ما يسمى "نادي السلام" – وهو مجموعة من الدول التي من شأنها تيسير محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا والتي قد تتضمن قوى صاعدة مثل الصين والهند وإندونيسيا وتركيا.
وفي مارس/آذار، أظهرت مكالمة عبر الفيديو استمرت 30 دقيقة بين لولا والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن البرازيل جادة في عملها. واستغل لولا الفرصة لينقل إلى زيلينسكي الحاجة الملحة للتوصل لحل تفاوضي للحرب.
وفي أبريل/نيسان، سافر مستشار لولا، سيلسو أموريم، إلى موسكو، حيث استقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه – في خروج عن جميع البروتوكولات.
وخلال نفس الرحلة، التقى أموريم مع مستشار كبير للعلاقات الخارجية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبدا ماكرون أيضا مهتما بالتفاوض على إنهاء الصراع.
وكانت نتيجة لقاء أموريم مع بوتين غامضة في أفضل الأحوال، حيث أقر بأن لا جانب مستعد للانضمام إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، بحسب التحليل، يشير اجتماع أموريم الشخصي مع بوتين – وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا إلى البرازيل – إلى مدى جدية موسكو في تلقي المقترحات من الحكومة في برازيليا.
ومكنت زيارة لولا في أبريل/نيسان إلى الصين، البرازيل من مواصلة جهود وساطتها، وأصدر البلدان بيانا مشتركا اتفقا فيه على أن "التفاوض هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة في أوكرانيا."
وفي حين أشار مقترح السلام الصيني المكون من 12 نقطة الصادر في مارس/آذار إلى وقف كامل لإطلاق النار دون انسحاب أي من القوات الروسية من أوكرانيا – وهو ما تعارضه الولايات المتحدة وحلفاؤها بشدة – سيبدو أن المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع زيلينسكي الأسبوع الماضي، واستمرت على مدار ساعة، تشير إلى انفراجة محتملة.
وبحسب التحليل، تضمن السياسة الخارجية للبرازيل حتى الآن موازنة دقيقة بين المواقف الغربية ومواقف روسيا. وبدلا من الامتناع عن التصويت في 23 فبراير/شباط على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة طالب روسيا بالانسحاب من الأراضي الأوكرانيا – كما فعل زملاؤها أعضاء بريكس: الصين، والهند، وجنوب أفريقيا – صوتت لصالح القرار.
لكن لم تقدم البرازيل على ذلك إلا بعد تقديم تعديلات تدعو إلى وقف كامل لإطلاق النار في أوكرانيا. وفيما يتعلق بمسائل أخرى، انحازت برازيليا إلى موسكو – مثل عندما صوتت لصالح القرار الذي قدمته روسيا بمجلس الأمن للتحقيق في هجوم بحر البلطيق الذي استهدف خطوط أنابيب نورد ستريم 1 و2 في سبتمبر/أيلول الماضي. وكانت الصين الداعم الوحيد الآخر للإجراء.
وبعيدا عن عكس الغموض أو التردد، كما يصور في بعض الأحيان، تجسد السياسة الخارجية للبرازيل ما يسمى بعدم الانحياز النشط.
وبينما تتعرض أمريكا اللاتينية للضغوط من القوى العظمى للانحياز إلى أحد الجانبين فيما قد يصبح حربا باردة ثانية بين الولايات المتحدة والصين، يقتضي عدم الانحياز النشط أن تركز المنطقة على مصالحها الخاصة وليس مصالح الآخرين.
ولا يتعلق عدم الانحياز النشط بالحياد أو المساواة بين القوى العظمى، ولكنه ديناميكية. ويعني ذلك أنه في بعض القضايا (مثل الديمقراطية أو حقوق الإنسان)، ربما تتخذ دول أمريكا اللاتينية مواقف أقرب من الولايات المتحدة، في حين أنه قد تتخذ مواقف أقرب للصين عندما يتعلق الأمر بمسائل أخرى (مثل التجارة الدولية).
كما يؤكد عدم الانحياز النشط إلى الحاجة لتعاون إقليمي والعمل متعدد الأطراف. ولقد برعت البرازيل في ذلك في الماضي، في أمريكا اللاتينية وخارجها. وساعدت في تأسيس مجموعة ريو في الثمانينيات، واتحاد دول أمريكا الجنوبية في 2008.
وفي الجنوب العالمي، لعبت الرازيل دورا أساسيا في منتدى الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الذي تم إطلاقه عام 2003، ومجموعة بريكس، ومجموعة العشرين للدول المصدرة للمنتجات الزراعية.
عقبات في الطريق
لكن واجهت جهود وساطة البرازيل في أوكرانيا حتى الآن عقبات، بحسب التحليل؛ إذ أن الطرفين المتحاربين كلاهما مترددين في الانضمام إلى طاولة المفاوضات، وفضلت الدول الغربية شجب جهود البرازيل باعتبارها ساذجة في أفضل الأحوال، و"ترديد للدعاية الروسية والصينية" في أسوأ الأحوال.
ودفعت هذه الصعوبات البعض إلى التذكير بمبادرة البرازيل المشتركة لعام 2010 مع تركيا لدفع إيران للحد من برنامجها النووي في نهاية الفترة الرئاسية الثانية للولا. واستهدفت البرازيل دفع الغرب لرفع العقوبات جزئيا عن إيران إذا قدمت تركيا ضمانات للتعامل بأمان مع اليورانيوم الإيراني المخصب، لكن خربت جولة جديدة من العقوبات الأمريكية على إيران الاتفاق.
واعتبر التحليل أن الدروس المستفادة من مبادرة البرازيل بشأن إيران يجب تطبيقها على حرب اليوم في أوكرانيا؛ فإذا كان هناك دولة في الجنوب العالمي تتمتع بموقع مثالي للاضطلاع بدور الوسيط بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، فهي البرازيل، التي تضعها تقاليدها الدبلوماسية القوية وقدرتها على بناء تحالفات في وضع منقطع النظير للمضي قدما في إحلال السلام بأوكرانيا.