خبز برائحة الحرب.. يمنيات على طريق الكفاح
تبيع اليمنية "نعمة" منذ 6 عقود الخبز الذي تصنعه بمنزلها في سوق شعبي غربي البلاد، إلا أن عائده أصبح مؤخرا بفعل حرب الحوثي لا يكفي.
ونشأت نعمة محمد حسين، في أسرة تمتهن صناعة الخبز التقليدي، وتعلمت هذه الصنعة، عندما كانت طفلة تساعد والدتها في إعداد الخبز، لتبيعه لاحقا في منزلها أو في أحد شوارع مدينة الخوخة جنوبي محافظة الحديدة.
والخوخة، إحدى أهم الحواضر المطلة على البحر الأحمر وتحولت منذ 2017 إلى موطن للنازحين وملجأ لكل الفارين من المناطق الخاضعة للمليشيات الحوثية، وتضم جدران أزقتها العتيقة سوقا شعبيا تفوح منه رائحة الخبز البلدي بما فيه خبز الدخن الذي تبيعه "نعمة".
وتقول نعمة -وهي تقف على فرن الحطب المتهالك، لـ"العين الإخبارية"- إنها تبيع الخبز منذ كانت طفلة في الـ10 من عمرها، لكنها لم تشعر بأهمية هذه المهنة الموروثة إلا مؤخرا بعد انفجار الحرب، وتفاقم وضع الفقراء لتشكل تلك المهنة نافذة لها لتواصل الحياة عبرها.
ويعد الفرن المصنوع من الطين المصهور شاهدا على سنوات الحرب الحوثية الذي هدت أجزاء منه ولم تجد "نعمة" المال الكافي لشراء فرن آخر وتلجأ عند إدخال الخبز للفه بالصفيح كي تساعد في حفظ الحرارة.
6 عقود من الكفاح
عندما رحلت والدتها، استمرت نعمة في هذه المهنة المتواضعة حتى شارفت على بلوغ سن السبعين من عمرها، في مهنة امتدت رحلتها معها لنحو ستة عقود زمنية.
وعن إعداد الخبز بالطريقة التقليدية تشرح "نعمة" أنه يمر بعدة مراحل، إذ يتم عجنه مساء كل يوم، وتُضاف إليه شرائح من البصل مع تخميره بطريقة تقليدية.
في الصباح الباكر عندما يحين موعد إعداده، تكون العجينة منتفخة، ما يدل على أنها وصلت لمرحلة التخمير، ثم يتم تجزئتها إلى قطع كروية صغيرة، قبل فردها على شكل دوائر كبيرة وإدخالها إلى التنور الذي يوقد بالحطب.
وأوضحت أنه من الضروري أن يتم إدخال الخبز عندما يكون الفرن محمرا، دلالة على وصول الحرارة فيه إلى درجة تسمح بنضوج الفطائر بشكل جيد.
ويتطلب تجهيز الخبز الاستيقاظ مبكرا بحسب تلك المسنة، من أجل إعداد كميات كبيرة من الفطائر، ثم نقلها إلى السوق وبيعها، لكن حاليا تبيع كل ما تصنعه داخل منزلها.
وتؤكد أن مهنتها هذه ساهمت في إمداد جيلين من أسرتها باحتياجاتهم المالية، وإن كان الدخل قد أصبح متواضعا، نظرا لارتفاع أسعار الحبوب المحلية، فضلا عن ارتفاع أسعار الحطب.
مهنة الفقراء
إلى جانب نعمة كان يقف شقيقها "عبده محمد حسين"، الذي قال لـ"العين الإخبارية" إن إعداد الخبز وإنضاجه بالحطب يجعله ذا مذاق جيد، مقارنة بإعداده في أفران تعمل بالغاز وهذا هو السر الذي يجعل الطلب عليه مستمرا.
وبحسب الأربعيني "محمد"، فإن هذه المهنة محصورة على النساء في الأسر الفقيرة، ويمثل إعداد وبيع الخبز، إذ تعد بمثابة نافذة للحياة، نظرا للمداخيل المالية التي أصبحت مصدرا رئيسيا لإعالة أسرهن وسط الحرب.
وأكد أن أسرته تتوارث هذه المهنة، لأجيال، إذ ورثت والدته إعداد الخبز وبيعه من والدتها، وحاليا انتقلت هذه الصنعة إلى شقيقته، وفي انتظار من يحمل راية الكفاح من بعدها على طريق لقمة العيش.
ولا يوجد إحصاء معين لعدد النساء العاملات في هذه المهنة، ويؤكد "محمد" أن الكثير من الفتيات ولجأن مؤخرا هذه المهنة كمصدر للرزق بعد أن فاقمت الحرب الحوثية أوضاعهن المعيشية.
حرفة رائجة
وليست نسوة الخوخة وحدهن من يعملن في صناعة وبيع الخبز، ففي المخا، وهي مدينة تاريخية عريقة قرب باب المندب، ما تزال أسرة "محمد علي الموزعي"، تعمل في هذه المهنة كآخر الأسر المتبقية التي حافظت على بقاء هذه الحرفة مستمرة.
وقال صانع الخبز اليمني سعد الموزعي لـ"العين الإخبارية"، إن أسرته التي انتقلت من مديرية موزع المجاورة في المرتفعات الغربية لمحافظة تعز، حافظت على بيع الخبز التقليدي، عند وصولها إلى المخا الساحلية.
وقال إن الطلب لا يزال مستمرا على الخبز التقليدي المصنوع من الحبوب المحلية، وإن كانت الذائقة لدى سكان هذه المديرية، التي تحتضن ميناء شهيرا صدرت منه أولى شحنات البن اليمني إلى العالم، منعدمة مقارنة بسكان بلدته الذين يفضلون الخبز التقليدي، عن "الرغيف" الذي يتم إعداده في الأفران الحديثة.
وفي محافظات يمنية عدة، لا يزال بيع الخبز المصنوع من حبوب الذرة، والشعير، والدخن، رائجا، ونظرا لرائحته النفاذة ومذاقه الشهي، لم تستطع ضراوة حرب الانقلاب الحوثي طي صفحته، ولا زالت نعمة وأمثالها على طريق الكفاح.
aXA6IDMuMTQ3Ljg2LjI0NiA=
جزيرة ام اند امز