حرب وعار وعزلة.. "الحوثي" يفاقم مأساة مرضى الجذام في اليمن
يعيش مرضى الجذام في اليمن أوضاعاً صعبة بسبب الحرب الدائرة هناك، إذ يواجهون وجعاً يضاف إلى أوجاعهم التي لا تنتهي.
وأنهكت معركة توعية المجتمع اليمني بالجذام الأطباء المتخصصين في علاج المرضى بشكل يفوق علاج المصابين أنفسهم، وذلك إثر تصورات خاطئة.
ولكل بلدة وقرية حكاية صادمة، إذ درج الناس على اعتبار أن المصاب سقط في "يمين كذوب" أو ارتكب "فاحشة"، فيما يتبنى آخرون بفهم قاصر الحديث النبوي الذي جاء فيه "فر من المجذوم فرارك من الأسد".
في قرى ريف "حجة" كان بعض الأهالي يعزلون المريض في أعالي الجبال حتى الموت أو يتم إعدامه بالرصاص، وفي "الحديدة" يخرج الأهالي لطرده وتهجيره ليبحث له عن مأوى وفي محافظة أخرى يعزل المصاب ويمنع من المشي في الماء السائل.
وفي إحدى قرى حضرموت ظل أب يرقب حفل زفاف ابنه من أعلى تلة جبل وحين علم بذلك الأطباء هرعوا إليه مسرعين لكنه عند رؤيتهم ظنهم غرباء ورشقهم بالأحجار وهو يصرخ "أنا مريض بالجذام"، إلا أن الأطباء في نهاية المطاف وصلوا إليه وتم معالجته وتثقيف الأهالي.
"وهيب سالم"، أحد ضحايا وصمة العار هذه، عاش حياته بلا زواج منذ أن فسخ الأهالي خطبته وهجرته لمسقط رأسه في الحديدة، (غرب)، قبل أكثر من 30 عاما وانتقاله للبقاء في المقر الرئيسي لمستشفى الأمراض الجلدية والتناسلية (الجذام) في مدينة تعز (جنوب).
وعندما انفجرت الحرب كان "سالم" إلى جانب آخرين في مستشفى الجذام عرضة لهجمات حوثية لم تتوقف طيلة 7 أعوام ونصف وتسببت في تدمير المستشفى وتعرضه للإصابة بالرصاص المباشر، وبات في وضع لم يستطع حتى العودة مجددا إلى قريته وزيارة أهله.
وهناك أكثر من 67 عيادة طبية في جميع أنحاء اليمن، مقرها الرئيس في تعز، كانت تتولى مسحا دوريا إلا أن حصار مليشيات الحوثي على المدينة وتفجير الحرب في كل البلاد عطل عملها وحرم مئات المرضى من العلاج.
الحوثي والجذام
وبحسب الطبيب اليمني المعالج للجذام عبدالله الحكيمي فإن العيادات الطبية تعالج بين 300 إلى 400 حالة جديدة مصابة بالجذام في اليمن، إلا أن ذلك يعتمد على النشاط الميداني وكلما زاد العمل ميدانياً تم اكتشاف حالات أخرى ومن المؤكد سيكون العدد أكثر.
وعن تأثيرات حرب مليشيات الحوثي عن مرضى الجذام والعيادات الطبية، أكد الحكيمي في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن قطع الطرقات أثر بشكل كبير على تنقل المرضى والأطباء لا سيما الارتفاع الباهظ لتكاليف السفر.
وقال إن الحرب الحوثية تركت تأثيرات كارثية على المرضى ومنعتهم من قدرة الوصول إلى مدينة تعز، حيث يقع المستشفى الرئيس لعلاج الجذام الكائن في مدينة النور.
كما أن التأثير البالغ للحرب الحوثية هو تعطيلها للفرق الطبية المنتشرة في عموم اليمن من العمل على المسح الميداني في القرى الذي توجد فيها حالات قديمة لغرض اكتشاف حالات جديدة، وفقا للطبيب الذي يعمل أيضا منسقا لمرضى الجذام في تعز.
وأضاف أن "جميع مرضى الجذام يتم علاجهم في منازلهم أما المستشفى الرئيس فهو مخصص للحالات التي لديها مضاعفات مستمرة وتحتاج للرعاية الدائمة".
وعن أكثر المناطق اليمنية عرضة للمرض، أوضح أنه ليس هناك أشخاص أو قرى بعينها عرضة للجذام فالمجتمع كله عرضة عند وجود حالات من النوع المعدي لم يسبق تلقيها العلاج، حيث يكون كل المخالطين له عرضة للإصابة لا سيما مما لا توجد لديهم مناعة الجذام.
وبشأن تفشي المرض في خضم الحرب الحوثية المستعرة، أشار الحكيمي إلى أنه من حسن القدر أن الجذام يعتبر أقل الأمراض المعدية وهناك 97 بالمائة من البشر لديهم مناعه طبيعية ضد هذا المرض ولهذا عدد المصابين قلة مقارنة بالأمراض المعدية الأخرى.
وقال في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن الجذام مرض بكتيري تسببه بكتيريا الجذامية وينتقل من المريض من النوع المعدي غير المعالج إلى الشخص السليم عبر التنفس أثناء الكلام أو العطس، ويصبح المريض غير معد بعد أخذ أول جرعة.
14 ألف مصاب
وسرد الحكيمي حكايات صادمة لكثير من المناطق لدى تجوله الميداني قبل أن تعطل الحرب الحوثية هذه المهمة الإنسانية، مؤكدا أن معركة الوعي كانت الأكثر إنهاكا للحد من الوصمة المجتمعية عبر التثقيف الصحي عن المرض في الأسواق والقرى والمدارس والجامعات، ووصل إلى مخالطة حالات بعد أن كانت في عزلة الموت.
ويعتمد اليمن إلى جانب الدعم الحكومي على منظمتي الصحة العالمية وجلارا الألمانية في مكافحة مرض الجذام منذ أكثر من 3 عقود، حيث تعمل الأولى في رفع قدرات الأطباء، فيما توفر الأخرى الأدوية اللازمة ورسوم رمزية للأطباء ومساعديهم.
وبحسب إحصائية حديثة حصلت عليها "العين الإخبارية"، فإن مشروع مكافحة الجذام الذي أطلقته منظمة جلارا الألمانية منذ عام 1990 وحتى نهاية 2021 عالج نحو 14 ألف مصاب يمني، بينهم 2100 بتعز وحدها، بما فيهم "وهيب سالم" الذي أصبح في الـ60 من عمره.
وكان رئيس منظمة جلارا الألمانية باليمن الطبيب ياسين قباطي، قال في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، إن 400 حالة إصابة بالجذام تظهر سنويا في البلاد، لا سيما في محافظتي حضرموت (شرق) والحديدة (غرب).