جدل في بريطانيا.. هل تعيد السيارات الذكية لندن إلى أحضان بروكسل؟
إلزام المركبات الجديدة بجهاز قياس كحول وصندوق أسود

أثارت حكومة حزب العمال في بريطانيا جدلا بسعيها إلى مواءمة قوانين سلامة السيارات مع الاتحاد الأوروبي، ويتضمن ذلك إلزام السيارات الجديدة بتركيب أجهزة تحليل الكحول ومسجلات بيانات الحوادث.
هذه الخطوة، رغم هدفها بخفض التكاليف وتعزيز التجارة، أثارت جدلاً سياسيًا واسعًا بشأن استقلالية التشريعات بعد البريكست.
وقالت الحكومة إن نسخ القوانين الأوروبية سيساعد في خفض التكاليف، لكن مؤيدي البريكست اعتبروا ذلك جزءًا من محاولة لإعادة بريطانيا تدريجيًا إلى فلك الاتحاد الأوروبي.
وذكرت وزارة النقل البريطانية أنها أبلغت شركات تصنيع السيارات بنيّتها اتباع ما سمّته "افتراضًا واضحًا بالتوافق" مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن المصنعين لن يحتاجوا إلى إنتاج سيارات وفق معايير مختلفة للأسواق البريطانية والأوروبية.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "التليغراف"، تأتي هذه الخطوة ضمن توجه أوسع لتقليل الحواجز التجارية مع أوروبا في قطاع يعتمد أساسًا على التصدير، خاصة بعد اتفاق "إعادة الضبط" بين الحكومة البريطانية وبروكسل في مايو/أيار، والذي تضمّن التوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة بصحة النباتات والحيوانات.
الصندوق الأسود
ومنذ يوليو/تموز 2023، أصبحت القوانين الأوروبية تفرض تزويد جميع السيارات الجديدة بواجهة تتيح تركيب نظام قفل يعمل بتحليل النفس (breathalyser)، يمنع تشغيل السيارة إن لم يتجاوز السائق اختبار الكحول.
كما تنص اللوائح الأوروبية الجديدة (GSR2) على وجوب تركيب: مسجلات بيانات الحوادث (EDRs): تشبه الصناديق السوداء في الطائرات، تسجل بيانات مثل السرعة قبل الاصطدام، وأنظمة تحذير من النعاس (DDAW) تراقب حالة السائق وتنبهه إن أظهرت مؤشرات على النعاس.
ورغم أن وزارة النقل البريطانية لم تعتمد بعد رسميًا واجهة نظام قياس الكحول، إلا أن مراقبين يؤكدون أن ذلك قد يتغير في المستقبل. ويُطبق نظام GSR2 حاليًا على جميع السيارات المباعة في إيرلندا الشمالية، التي لا تزال تخضع للعديد من قواعد الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق البريكست لتجنب وجود حدود مادية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.
وقال متحدث باسم الحكومة إن "الاختلافات بين القوانين البريطانية والأوروبية بعد البريكست أدت إلى إنتاج بعض السيارات خصيصًا للسوق البريطانية، ما يزيد من التكاليف التي تُحمّل في النهاية على المستهلك. لذا نفكر في التوافق لتقليل الأسعار." وأكدت الحكومة أنها تجري تقييمات لكل تغيير تنظيمي من حيث تأثيره على السلامة العامة والتكلفة. وكانت قد عدّلت بالفعل القانون البريطاني ليوازي لوائح بروكسل بشأن أنظمة الاتصال التلقائي بالطوارئ (e-call) التي تُفعّل تلقائيًا في حال وقوع حادث.
كما بدأت الحكومة أيضًا بإعداد الإطار القانوني لتركيب أجهزة قياس الكحول، دون أن تجعل استخدامها إلزاميًا حتى الآن. ورغم عدم إلزامية النظام في بريطانيا، فإن العديد من المصنعين يثبتونه أصلًا لأن سياراتهم مخصصة أيضًا للأسواق الأوروبية.
جدل سياسي
من جانبه، قال مايك هاوس، الرئيس التنفيذي لجمعية مصنّعي وتجار السيارات البريطانية إن القطاع البريطاني والأوروبي مترابط بشكل عميق، والتوافق التنظيمي يدعم الإنتاج الفعال ويخفض التكاليف على المستهلكين. لكن معارضي الخطة، من ساسة ومؤيدي البريكست، يرون في الأمر تراجعًا تدريجيًا عن الاستقلال التشريعي. وقال السير إيان دنكان سميث، زعيم حزب المحافظين الأسبق: "يتم تمرير هذا التغيير بهدوء عبر أدوات تشريعية لا تُناقش في البرلمان. إنها خطة ممنهجة للعودة شيئًا فشيئًا نحو الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن مثل هذا التوافق مع قواعد الاتحاد "المشددة" قد يجعل السيارات أكثر تكلفة ويُعقّد التفاوض على اتفاقيات تجارية مع دول كبرى منتجة للسيارات مثل الولايات المتحدة.
أما مارك فرانسوا، رئيس مجموعة الأبحاث الأوروبية داخل حزب المحافظين، فقال: "مهما حاولوا تبرير الأمر، هذا خضوع فعلي لقوانين الاتحاد الأوروبي. قطاعنا في وضع هش أصلًا بسبب إغراق السوق بالسيارات الكهربائية الصينية، وآخر ما نحتاجه هو مزيد من الأعباء التنظيمية".