ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.. لماذا تولي أوروبا وجهها شطر الخليج؟
في أقل من عام، أجرى قادة فرنسا وبريطانيا زيارات متعددة لمنطقة الخليج، ومطلع الأسبوع الجاري التحق مستشار ألمانيا، أولاف شولتز، بالركب.
هذه الزيارات المتعددة تعكس الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها منطقة الخليج في العالم بالوقت الحالي، وتكشف عن تسابق لمد جسور الصداقة والشراكة، وفق مراقبين.
وبدأ المستشار الألماني، شولتز، السبت الماضي، زيارة مهمة إلى منطقة الخليج، استمرت يومين، وشملت السعودية ودولة الإمارات وقطر، وبحثت عدة ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية.
والسبت التقى المستشار الألماني الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي في جدة، قبل أن يبحث مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مسارات التعاون والفرص المطروحة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، منهيا جولته الخليجية في الدوحة.
وركز شولتز خلال جولته الخليجية على ملف الطاقة والاستثمار، والعلاقات الثنائية، والأمن الإقليمي. كما بحث في الدول الثلاث الملف النووي الإيراني، وفق الحكومة الألمانية.
زيارات وتجارة حرة
ويمكن قراءة هذه الزيارة الهامة في إطار أوسع هو الزيارات المتعددة لقادة الدول البارزة في القارة الأوروبية لمنطقة الخليج، والتسابق على مد جسور الصداقة والشراكة.
ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دولة الإمارات والسعودية والقطر، وبحث الشراكة الاستراتيجية مع الدول الخليجية، قبل أن يتبعها بزيارة أخرى لدولة الإمارات في مايو/أيار الماضي.
كما قام رئيس وزراء بريطانيا السابق بوريس جونسون بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات والسعودية في مارس/آذار الماضي، لبحث العلاقات مع الدولتين الخليجيتين وملف الطاقة، قبل أن يتبعها بزيارة إلى دولة الإمارات في مايو/أيار الماضي أيضا.
كما أن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس، تدعم ومنذ فترة ولايتها بالخارجية البريطانية، شراكة استراتيجية قوية مع دول الخليج، وقالت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن "العلاقات الاقتصادية والأمنية الأوثق مع شركائنا في الخليج توفر الوظائف والفرص للشعب البريطاني، وتضمن أن نكون جميعنا أكثر أمنا".
وتوقع الخبير في مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف "الناتو" أومبرتو بروفازيو، في حديث لـ"العين الإخبارية"، "تسريع تراس وتيرة المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة (FTA) مع مجلس التعاون الخليجي، والتي عملت عليها في الفترة الماضية، لمنح لندن خيارا لتنويع تجارتها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي".
"شراكة استراتيجية"
هذه التحركات البريطانية المتوقعة لتسريع وتيرة مفاوضات "اتفاقية التجارة الحرة مع الخليج" تتزامن مع جهود في الاتجاه المقابل، إذ اعتمد الاتحاد الأوروبي ورقة الشراكة الاستراتيجية مع الدول الخليجية، ما يعكس تنافسا على الشراكة مع المنطقة.
وثيقة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والخليج، والتي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، تقول "يعد بناء شراكة استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه كجزء من تعزيز مشاركة الاتحاد الأوروبي في المنطقة، أولوية رئيسية للاتحاد الأوروبي".
وأضافت: "يعد التعاون الوثيق والفعال بين الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيين أمرًا ضروريًا لتحقيق الأهداف الرئيسية للاتحاد الأوروبي، ولا سيما أن تصبح منطقتا الخليج والشرق الأوسط آمنة ومزدهرة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي القوي".
وفي حينه، قال الخبير الإيطالي دانييلي روفينيتي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، "تمثل الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج تنفيذًا واضحًا للرؤية الأوروبية فيما يتعلق بالعلاقات مع المنطقة".
وتابع قائلا "إنها خطوة واضحة إلى الأمام.. يُظهر الاتحاد الأوروبي أنه أصبح أكثر وعياً بالدور والبعد الاجتماعي والسياسي لدول الخليج".
لماذا التنافس؟
وفسر الخبير الإيطالي هذا التنافس على الشراكة مع الخليج، وقال "القيمة الاقتصادية والتجارية لهذه الشراكة واضحة، فهناك سوق للطاقة بالتأكيد وهناك استثمارات ضخمة وقدرات استيراد وتصدير من وإلى أوروبا".
الخبير الإيطالي قال أيضا "تمثل الشراكة المخطط لها فهما ناضجا وواقعيا للدور التحفيزي الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي على نطاق عالمي".
وتابع: "كما أنها تبتعد عن النظر إلى مستقبل العلاقات من خلال التجارة وحدها لتشمل المجالات الأمنية المختلفة والتركيز على الاستقرار.. هذا نهج جديد ومرحب به وذو قيمة استراتيجية عملاقة وطويلة الأجل في منطقة البحر الأبيض المتوسط الموسعة".
وفي نفس السياق، قال أومبرتو بروفازيو لـ"العين الإخبارية"، "في سياق يتسم بالتكتلات الاقتصادية الناشئة، تكتسب منطقة الخليج أهمية استراتيجية بالنظر إلى موقعها وثرواتها النفطية".
وتابع :"تستثمر دول الخليج أيضًا بكثافة في الطاقة المتجددة، وقد جذب هذا اهتمام العديد من الشركات والشركاء الحكوميين".
ومضى بروفازيو قائلا "في الوقت الحالي، هناك نوع من المنافسة لكسب تأييد دول الخليج، كما يتضح من وثيقة الاتحاد الأوروبي للشراكة الاستراتيجية والتقدم الذي أحرزته المملكة المتحدة في اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي".
الخبير في كلية الدفاع التابعة لـ"الناتو"، قال أيضا "من المؤكد أن التعاون مدفوع بالمصالح الاقتصادية والاستثمارات، في حين أن الجوانب السياسية بالتأكيد أكثر دقة".
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA== جزيرة ام اند امز