سعي قطر من خلال الاستراتيجية العسكرية الجديدة، خطاب إخواني، أصبح معطى ثابتاً في الخرجات الأخيرة لجميع المسؤولين القطريين
في الوقت الذي تتبنى فيه قطر خطاب المظلومية في مواجهة الإجراءات السيادية التي أعلنتها الدولة الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، نجدها تسارع الزمن من أجل تقوية ترسانتها العسكرية وخاصة أسطولها الجوي الحربي.
في هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان لها، توقيع اتّفاقية مع قطر لبيع 24 طائرة من طراز تايفون، ووصفتها بأنها "ستكون أول صفقة عسكرية كبيرة مع قطر، أحد الشركاء الإستراتيجيين لبريطانيا".
سعي قطر من خلال الاستراتيجية العسكرية الجديدة، التأكيد على خطاب المظلومية وكونها مهددة في أي لحظة بغزو من طرف دول الجوار. هذا الخطاب الإخواني، أصبح معطى ثابتاً في الخرجات الأخيرة لجميع المسؤولين القطريين
هذه الصفقة جاءت تفعيلاً لاتفاقية وُقِّعت بين البلدين شهر سبتمبر الماضي، وتشمل اتفاقاً مبدئياً لشراء قطر صواريخ "بريمستون" و"ميتيور" و"رافيون" المزودة للطائرات، إضافة إلى تنسيق التدريب والتعاون بين القوات الجوية للبلدين، وأضاف نفس المصدر أن بريطانيا تأمل أن يعزز ذلك الأمن في المنطقة!
هذا التعامل المشبوه من طرف بريطانيا اتجاه قطر في هذه الظرفية الحساسة يفرض طرح مجموعة من الأسئلة حول طبيعة الصفقة، وحقيقة المقابل الذي تلقته بريطانيا، وهل هو مجرد مقابل مادي أم يتجاوز ذلك إلى اعتبارات مرتبطة بتوافقات "تحت الطاولة" تهدف من ورائها بريطانيا لتحقيق مكاسب أمنية على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع دول الخليج.
السياقات التاريخية:
إن الحديث عن علاقة بريطانيا بقطر يجرنا، منهجياً، للحديث عن علاقتها بالإخوان "المسلمين" والذين أصبحوا، عملياً، في صلب منظومة صنع القرار القطري، هذه العلاقة تعود إلى بدايات تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عندما ساهمت إدارة قناة السويس البريطانية - الفرنسية بـ 500 جنيه من أجل بناء مقر الجماعة، وهنا نسجل بأن المملكة المتحدة راهنت على جماعة الإخوان لسنوات من أجل الضغط على بعض الدول العربية في اتجاه تبني مواقف تصب في مصالح بريطانيا، ومن جهة أخرى اعْتُبِرَتْ بريطانيا، منذ الخمسينات، جنة الهاربين من القبضة الأمنية للأنظمة الحاكمة، حيث استقبلت جحافل من الإخوان بعد محنتهم الثانية عقب حادثة محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فيما عُرِف إعلامياً بحادثة المنشية في أكتوبر سنة 1954.
سينتشر الإخوان بشكل واسع في بريطانيا من خلال العديد من الهيئات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية، وأصبحوا يحركون الرأي العام العربي بفضل حرية العمل والانتشار والإمكانيات والحماية التي وفرتها لهم بريطانيا.
أهداف الصفقة:
على هذا المستوى فإن الأهداف تختلف من طرف إلى آخر، حسب الحسابات السياسية والأمنية عند كل طرف على حدة:
على الجانب القطري:
بالإضافة إلى الهدف العسكري الكلاسيكي في تعزيز القدرات العسكرية الجوية للنظام القطري، فإن نظام الدوحة يرى في هذه الصفقة مآرب سياسية تهدف بالأساس إلى استمالة دول غربية للدفاع عن قطر في ظل العزلة التي فُرضت عليها من طرف المنظومة الخليجية والعربية، كما تعتبر هذه الصفقة اعترافاً ضمنيّاً من بريطانيا على أن قطر دولة غير داعمة للإرهاب حيث إن بيع معدات عسكرية معناه أن قطر غير معنية بالاتهامات التي توجهها لها مجموعة من دول الجوار.
من جهة أخرى، تسعى قطر إلى ضمان استقلالية عسكرية تضمن من خلالها إحداث توازن عسكري في المنطقة، خصوصاً في ظل قناعة صانع القرار السياسي القطري بعدم جدوى الاعتماد المطلق على تركيا وإيران في ضمان أمنها القومي على المدى البعيد.
وتسعى قطر من خلال الإستراتيجية العسكرية الجديدة، إلى التأكيد على خطاب المظلومية وكونها مهددة في أي لحظة بغزو من طرف دول الجوار، هذا الخطاب الإخواني، أصبح معطى ثابتاً في الخرجات الأخيرة لجميع المسؤولين القطريين.
على الجانب البريطاني:
بالإضافة إلى العائدات المادية الضخمة التي ستستفيد منها الخزينة البريطانية، فإن لندن ترى في قطر، ومن خلال الإخوان، أداة الضبط والربط للتنظيمات الإرهابية التي استهدفت بريطانيا في العديد من المرات، ومن ثم فإن "مجاملة" قطر من خلال هذه الصفقة، وبالنظر إلى الفوائد الأمنية التي يمكن أن تجنيها لندن، يبقى من ضروريات الأوراق الأمنية التي تلعبها بريطانيا وتجيدها بحكم احتكاكها مع التنظيمات الإسلاموية لأزيد من قرن. ولعل المتابع يسجل، باستغراب كبير، كيف أن التنظيمات الإرهابية استهدفت بريطانيا طوال أشهر يناير، مارس، مايو، يونيو، غشت/آب، لتكون آخر عملية إرهابية تضرب بريطانيا بتاريخ 15 سبتمبر 2017، أي في نفس الشهر الذي وقعت فيه الاتفاقية.
فهل هي مجرد مصادفة؟
نقلاً عن " الرياض " السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة