بريطانيا بلا درع.. جنرال يكشف ملامح تراجع الجيش والتهديدات المنتظرة

في ظل عالم يموج بالاضطرابات والتهديدات، تقف القوات المسلحة البريطانية أمام معضلة وجودية، فما كان جيشًا «عظيمًا» يمتلك ألوية مدرعة وقوة نيران هائلة، أصبح اليوم ظلًا باهتًا لقوته السابقة.
ذلك التراجع في القدرات العسكرية «أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها»، بحسب مسؤول عسكري سابق، مما أثار تساؤلات: هل يمكن لبريطانيا أن تعيد بناء دفاعاتها قبل فوات الأوان؟ أم أن عصرها كقوة عسكرية كبرى قد ولّى إلى الأبد؟
ويقول الجنرال ريتشاردز أوف هيرستمونسو، رئيس أركان الجيش البريطاني الأسبق، إنه في ظل حكومات مختلفة عديدة، أشار الضباط المتقاعدون إلى «الانحدار المطرد في القدرة القتالية للقوات المسلحة».
وقارن العسكري البريطاني السابق الحائز على وسام الإمبراطورية البريطانية، الوضع في الجيش البريطاني في الفترة بين عامي 1996 إلى عام 1998، والوضع الآن، قائلا: كان لي شرف قيادة اللواء المدرع الرابع المتمركز في ألمانيا. كان اللواء يضم فوجين مدرعين مزودين بـ 120 دبابة وكتيبتين مشاة مدرعتين مجهزتين بمركبة قتالية مدرعة مجنزرة. كان لدي فوج مدفعية مزود بـ24 مدفعًا مدرعًا ذاتي الحركة عيار 155 ملم. لقد تدربنا بجد وكنا في حالة تأهب قصوى. في نهاية الحرب الباردة قبل بضع سنوات، كان للجيش ثمانية ألوية من هذا القبيل في ألمانيا.
إلا أن الجيش البريطاني اليوم يعمل على شراء الدبابة التالية، تشالنغر 3، وعندما تكتمل هذه العملية، لن يتبقى سوى فوجين من الدبابات في صفوف القوات البريطانية، مؤكدًا: من المحزن أن أقول ذلك، لكن لوائي القديم كان يمتلك بمفرده قوة نيران وقوة فتك أكبر من جيش اليوم بأكمله، بحسب صحيفة «التلغراف».
اختفاء القدرات الرئيسية
وأشار إلى «اختفاء» القدرات الرئيسية للجيش البريطاني: إذ لا تمتلك القوات المساعدة للأسطول الملكي أي سفينة دعم للمخازن الصلبة، وهذا يعني أنه سيتعين استعارة واحدة من النرويج لدعم نشر مجموعة حاملة طائرات ضاربة في الشرق الأقصى هذا العام. وفي الوقت نفسه، لا تمتلك القوات الجوية الملكية البريطانية حاليًا أي طائرات رادار محمولة جوًا على الإطلاق.
العسكري البريطاني أضاف: القوات المسلحة البريطانية باتت اليوم مفرغة من محتواها، مؤكدًا أن التراجع التدريجي للجيش البريطاني كان نتيجة إلى حد كبير لما يسمى «عائد السلام»؛ فبعد نهاية الحرب الباردة، كان العالم يُنظَر إليه باعتباره مكاناً آمناً بشكل عام.
أما الإنفاق الدفاعي البريطاني، الذي بلغ 4% أو حتى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد تجاوز بالكاد 2% في الوقت الحالي: وحتى هذا الرقم لم يتحقق إلا من خلال إدراج معاشات التقاعد العسكرية في الإجمالي، يضيف الجنرال ريتشاردز.
لكن من الواضح أن العالم لم يعد مكاناً آمناً، فقد نجح فلاديمير بوتن في حشد روسيا على أساس اقتصاد الحرب، ووفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فقد تجاوز الإنفاق العسكري الروسي، أوروبا بأكملها.
تحذيرات جدية
وحذر من أن الحرب الدائرة في أوكرانيا توضح حجم التهديد الذي ينتظر بريطانيا، وحجم الدفاعات اللازمة لمواجهته، مشيرًا إلى أن الجيش البريطاني اليوم لا يملك سوى سبعة ألوية مقاتلة، وفي الوقت الحالي لا يستطيع أن ينشر سوى واحد منها مجهزاً تجهيزاً كاملاً للحرب.
وأشار إلى تعاظم قوة الصين العسكرية، والتي باتت الآن أكبر دولة تبني السفن في العالم، في محاولة لتأهيل نفسها على أن تكون قادرة على نشر قوة هائلة في أي مكان في العالم، تماما كما تفعل مجموعات حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية اليوم.
وطالب بتوفير الموارد اللازمة لتحالف أوكوس الذي أبرمته بريطانيا مع الولايات المتحدة وأستراليا. وكجزء من الاتفاق، تخطط البحرية الملكية لتأسيس غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية في أستراليا قبل نهاية العقد، لكن بدون أموال إضافية للبنية التحتية النووية والغواصات المتهالكة، فمن المشكوك فيه أن يتم تحقيق ذلك.
حلول في مقترحات
كما طالب بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، على الأقل إلى المستوى الذي أعلنته هذه الحكومة والحكومة السابقة كطموح: 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي
ورغم ذلك، إلا أن مثل هذه الزيادة، لن تحقق التحول المطلوب، وخاصة مع مطالب دونالد ترامب برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5%، ما يعني أن الولايات المتحدة لن تتحمل بعد الآن المسؤولية الأساسية عن أمن أوروبا.
وأكد أنه لكي تكون بريطانيا لديها قدرة على خوض الحروب، عليها الارتقاء بالإنفاق الدفاعي إلى 3%، وتوجيهها إلى مجالات الذكاء الاصطناعي والحرب بالطائرات بدون طيار وما إلى ذلك.
كما يتعين جعل حلف شمال الأطلسي أكثر كفاءة من خلال إعادته إلى نموذج الحرب الباردة، مما يسمح للمملكة المتحدة بتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون الحاجة إلى إنفاق 4 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع الذي اقترحه الرئيس ترامب.