خبير بريطاني: أفلاطون يدعو للجنس والحب الأفلاطوني للرجال فقط
عند البحث في ويكيبيديا عن "الحب الأفلاطوني"، ستجد أنه يُعرَّف كحالة عاطفية غير مرتبطة بالشهوة أو الممارسة الجنسية، ويُشبه في طبيعته الصداقة القوية التي قد تنشأ بين شخصين دون أي دافع جنسي.
ويشير مصطلح "المثالية الأفلاطونية" إلى نوع من الحب العفيف الذي يُحفز الشغف، وليس الشهوة الجنسية، ويهدف إلى تعزيز جودة العلاقات واكتشاف أفق جديد من المتعة.
ومع ذلك، يُشير الخبير البريطاني جاي كنيدي في دراسة نشرها بعنوان "البناء الموسيقي لمحاورات أفلاطون" إلى أن الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون، الذي يُنسب إليه مصطلح "الحب الأفلاطوني"، لم يكن على دراية بهذا النوع من الحب، وأنه لم يكن "عفيفاً" كما يُشاع.
وأوضح كنيدي، المؤرخ من جامعة مانشستر، أن أفلاطون الذي عاش بين عامي 428 و347 قبل الميلاد، لم يدافع أبداً عن مفهوم الحب العذري الذي لا يتضمن علاقة جنسية.
وبيّن في دراسته أن أفلاطون، الذي يُعتبر من أعظم مفكري العصر الذهبي في اليونان القديمة، لم يكن عذرياً في حبه. بل اتخذ موقفاً وسطاً، حيث اعتبر أن "الأخلاق تتمثل في الاعتدال".
ودعا إلى تجنب الإفراط في عدد الشركاء الجنسيين، دون الدعوة إلى الامتناع التام عن الجنس. بالنسبة لأفلاطون، كانت المتعة الجنسية قوة روحية تلهم الإبداع الفني والأدبي والعلمي.
فهم الحب الأفلاطوني
في أعماله الفلسفية، وخاصة في محاورة "المأدبة" (Symposium)، يقدم أفلاطون تصوره للحب، الذي يُعرف اليوم بـ"الحب الأفلاطوني".
في هذه المحاورة، يُعرض الحب كقوة تدفع الأفراد نحو السعي لتحقيق الكمال الروحي والفكري. وفقًا لأفلاطون، يبدأ الحب بالانجذاب إلى الجمال الجسدي، ولكنه يتطور ليشمل تقدير الجمال الروحي والأخلاقي. هذا النوع من الحب لا يرتبط بالمتع الحسية، بل بالسعي لتحقيق الكمال المعنوي.
النظرة الدونية للمرأة
رغم فلسفته المتقدمة في بعض الجوانب، إلا أن أفلاطون تبنى نظرة تقليدية تجاه المرأة. فقد اعتبر أن المرأة أقل شأناً من الرجل في القدرات العقلية والجسدية، مما يعكس التأثيرات الثقافية والاجتماعية لعصره.
ورغم أنه دعا في كتابه "الجمهورية" إلى تعليم النساء وإشراكهن في الحياة السياسية مثل الرجال، إلا أن نظريته بُنيت على فكرة أن النساء، حتى بعد التعليم، لن يصلن إلى نفس مستوى الذكاء والكفاءة الذي يتمتع به الرجال، ما يعكس تحيزه ضد المرأة.
أفلاطون رأى المرأة ككيان غير مكتمل مقارنة بالرجل، واعتبر أن دورها الأساسي يكمن في الأسرة، حيث تُعنى بالمهام المنزلية ورعاية الأطفال. وقد رأى أن هذا الدور يتناسب مع طبيعتها "غير العقلانية".
أسطورة الشطر
في كتابه "المأدبة"، يروي أفلاطون أسطورة الشطر لتوضيح فهمه للحب ورغبة الإنسان في البحث عن الوحدة الكاملة. وفقًا لهذه الأسطورة، كان البشر الأصليون كائنات متكاملة تجمع بين الذكر والأنثى في فرد واحد.
وكانوا يتمتعون بقوة هائلة، مما دفعهم إلى التمرد على الآلهة. كرد فعل على هذا التمرد، قرر زيوس معاقبتهم بقطعهم إلى نصفين، مما أدى إلى أن يصبح كل نصف في بحث مستمر عن نصفه الآخر لاستعادة كماله المفقود.
هذا البحث عن النصف الآخر يرمز إلى رغبة الإنسان في العودة إلى الحالة الأصلية من الوحدة والاكتمال، ويشكل أساسًا لفهم الحب كبحث دائم عن التوازن والانسجام. تظهر هذه الأسطورة كيفية تأثير هذا السعي على العلاقات الإنسانية، حيث يصبح الحب وسيلة لاستعادة الكمال والفردية المفقودة.
الحب الأفلاطوني: للرجال فقط؟
في فلسفة أفلاطون، يتجاوز الحب الحقيقي الجسد ويسعى للوصول إلى الجمال المثالي والفضيلة. الشذوذ الجنسي، في هذا السياق، يُرى كجزء من هذا السعي الروحي نحو الجمال والفضيلة، حيث يركز على الروح أكثر من الجسد.
العلاقة بين شخصين من نفس الجنس يمكن أن تكون تجسيدًا لهذا الحب الروحي الذي يتجاوز الرغبات الجسدية. وهنا يبرر أفلاطون الشذوذ الجنسي من خلال ربطه بالطبيعة البشرية وبحث الإنسان عن التكامل الروحي والجمالي.
هذه الفكرة تستند إلى تصوره بأن الحب هو قوة دافعة نحو تحقيق الكمال الروحي، بغض النظر عن الجنس. الشذوذ الجنسي يُعتبر إذن تعبيرًا عن شكل من أشكال الحب الذي يسعى لتحقيق الانسجام الروحي بين الأفراد.
في "المأدبة"، يُنظر إلى الحب بين الرجال كطريق نحو الحكمة والمعرفة، حيث يمكن أن يُعبر الشذوذ الجنسي عن رغبة مشتركة في التعلم وتبادل الأفكار. ويُصور الحب بين الرجال كعلاقة تربط بين العقل والروح، مما يسمح بتحقيق أهداف أعلى من مجرد اللذة الجسدية.
في هذا السياق، يتداخل مفهوم الحب الأفلاطوني مع المواقف الثقافية والاجتماعية لعصر أفلاطون تجاه العلاقات الجنسية.