"بريكست" يراوح مكانه بين الحكومة والمعارضة
الاستفتاء البريطاني عام 2016 الذي انتهى بموافقة أغلبية البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52% ظل مكانه دون أي تقدم.
منذ عام 2016 وحتى الآن؛ أي منذ ثلاثة أعوام، لم يتقدم خروج المملكة المتحدة البريطانية من التكتل الأوروبي خطوة إلى الأمام وذلك إذا ما استثنينا اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي التي وقعها مع بريطانيا، لم تنجح الحكومة البريطانية في الحصول على موافقة النواب عليها.
الحكومة البريطانية السابقة برئاسة "تيريزا ماي" بذلت محاولات دؤوبة ومتكررة ولكن جميعها انتهت إلى الفشل في تأمين موافقة الأغلبية من نواب البرلمان على اتفاقية الخروج.
فمنذ الاستفتاء البريطاني عام 2016 الذي انتهى بموافقة أغلبية البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52% من الذين صوتوا في هذا الاستفتاء، ظل مكانه دون أي تقدم.
رئيس الوزراء البريطاني الجديد الذي تولى مهام منصبه في يوليو/تموز عام 2019، يراهن على إمكانية خروج بريطانيا في التاريخ المحدد أي 31 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري سواء بالتفاوض حول اتفاق جديد للخروج يحفظ لبريطانيا كرامتها من وجهة نظره، أو الخروج بدون اتفاق.
رهان "جونسون" للخروج
يرتبط رهان بوريس جونسون للخروج من الاتحاد الأوروبي بمنظومة من العناصر الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلي يعتقد أن الحكومة التي يرأسها مؤتمنة على تنفيذ إرادة الشعب، وبأي ثمن، وأن الحكومة تعثرت في هذا الصدد بسبب معارضة النواب وإضاعة الوقت.
أما على الصعيد الخارجي فهو يستند إلى وعد الرئيس الأمريكي ومستشاريه لرئيس الوزراء البريطاني بأنه في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن واشنطن ستعقد أكبر اتفاقية للتجارة الحرة، مع لندن في تاريخ العلاقات بين البلدين.
الوعد الأمريكي يعوض المملكة المتحدة عن فك الارتباط بأوروبا بتمتين العلاقات بين واشنطن ولندن.
وفي هذا السياق أيضا يراهن رئيس الوزراء البريطاني جونسون على التباين في مواقف الفاعلين الأوروبيين الكبار على صعيد الاتحاد الأوروبي، وبصفة خاصة بين ألمانيا والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" وفرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون.
ففي الوقت الذي تبدو فيه المستشارة ميركل متفائلة بإمكانية عقد اتفاق جديد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قبل موعد الخروج المقرر في أكتوبر المقبل، يذهب الرئيس الفرنسي إلى أنه لا يوجد وقف كاف من أجل التوصل لاتفاق جديد بشأن "البريكست" خلال 30 يوما.
الحكومة والبرلمان والاتفاق
اعتبرت المعارضة قرار جونسون بتعليق عمل البرلمان من 12 سبتمبر/أيلول الجاري حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل أي قبل أسبوعين من موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، تدخلا في عمل البرلمان وتعطيله عن أداء دوره وواجبه.
ووصفت المعارضة القرار بمثابة عدوان على الديموقراطية البريطانية العريقة؛ وذلك لأن الوقت المتاح أمام البرلمان لمناقشة استراتيجية الخروج غير كاف.
ولكن رئيس الوزراء البريطاني يرى وحكومته أن هذا الإجراء ضروري لكي تقدم الحكومة أجندتها التشريعية، وبرنامج عملها لجمهور الناخبين وأن الوقت المتاح كاف للمناقشة وتحديد المواقف إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
عقدة "بريكست"
هذه الرهانات سواء الداخلية أو الخارجية تصطدم بعقبة اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي والنقطة المحورية فيه، تلك التي يسميها الخبراء "Back stop" وتعنى الإبقاء على الحدود بين أيرلندا الشمالية والتي هي جزء من المملكة المتحدة البريطانية، وبين جمهورية أيرلندا الجنوبية والتي هي عضو في الاتحاد الأوروبي، كما هي مفتوحة دون نقاط حدودية أو نقاط تفتيش أو نقاط جمركية.
الإبقاء على الحدود مفتوحة يوصف بأنه الموقف والإجراء الذي يضمن السلام في أيرلندا، واتفاق "الجمعة العظيمة" الذي وقع مع المملكة المتحدة البريطانية وأيرلندا الجنوبية وأحزاب أيرلندا الشمالية، وهو الاتفاق الذي أنهى الحدود والبنى الحدودية بين شطري الجزيرة الأيرلندية، والذي وقع عام 1998.
وهذه النقطة تحديدا في الاتفاق المبرم مع الحكومة البريطانية تحظى بجدل واسع ويسعى رئيس الوزراء البريطاني لإلغائها أو تعديلها.
ويترتب على هذه النقطة الإبقاء على بريطانيا مؤقتا في الاتحاد الجمركي ضمن الاتحاد الأوروبي بعد "الخروج وذلك لتجنب إعادة الحدود بين شطر الجزيرة الأيرلندية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا الجنوبية العضو في الاتحاد الأوروبي، وذلك في انتظار وضع أسس لعلاقات تجارية جديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد الخروج المرتقب والمتعثر.
وتحظى شبكة الأمان الأيرلندية الواردة في اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بخلافات عميقة وواسعة على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية، وهي التي كانت السبب في رفض هذا الاتفاق لثلاث مرات على التوالي من قبل البرلمان البريطاني.
وتكمن صعوبة قبول هذا البند المتعلق بالحدود المفتوحة بين شطري الجزيرة الأيرلندية من قبل المملكة المتحدة البريطانية، بعدم موافقة الحكومة البريطانية على التعامل مع الأقاليم المشكلة للمملكة بطرق غير متساوية، كما أن حدود الاتحاد الأوروبي في حالة قبول هذا البند ستمتد حتى أيرلندا الجنوبية.
ورغم أن الأوضاع التي ينظمها هذا البند مؤقتة فإنها تقف حجر عثرة في طريق تنفيذ الاتفاق وحصوله على موافقة البرلمان.
وبناء على ما سبق، فإن حصاد هذه الرهانات على الخروج باتفاق جديد أو تعديل الاتفاق السابق، للخروج من الاتحاد الأوروبي هو الذي عمق فكرة الخروج بدون اتفاق، وتحمل تبعات ذلك، خاصة وأن الحكومة البريطانية تعهدت تخصيص الأموال لمواجهة تداعيات مثل هذا الخروج مثل التضخم وانخفاض قيمة الإسترليني وقلة فرص العمل.
تحول الخروج من حل إلى مأزق
من الواضح إذن كيف تحول الخروج من الاتحاد الأوروبي في نظر مؤيديه من اليمين الشعوبي والساسة الشعوبيين من علاج لكافة المشكلات، وفتح للأبواب على مصراعيها للنمو والتطور، إلى مأزق يراوح مكانه منذ عدة سنوات فلا يمكن الرجوع عنه إلا عبر استفتاء آخر، يفقد مصداقيته ولا يضمن أن يُخضع نتائجه لذات السيناريو الذي دخلت فيه نتائج الاستفتاء الأول.
كما أنه لا يمكن تفادى سوءات الخروج إن بالاتفاق السابق المبرم أو بدون اتفاق، ذلك أن تكلفة الخروج وفق الاتفاق المبرم تبلغ 39 مليار جنيه إسترليني، وذلك فضلا عن الإبقاء على شبكة الأمان التي تعتبر من وجهة النظر البريطانية غير مقبولة ويعتبرها الاتحاد الأوروبي ضمانة للسلام في جزيرة أيرلندا، أما الخروج بدون اتفاق فسوف يترتب عليه تداعيات عميقة تمس الاقتصاد وقيمة الإسترليني والتضخم.
aXA6IDMuMTQ2LjE1Mi4xMTkg جزيرة ام اند امز